المسألة الثانية : احتج رضي الله عنه بهذه الآية على وجوب الشافعي قال : إنه تعالى ذكر هاهنا ( الكفارة في اليمين الغموس، ولكن يؤاخذكم بما كسبت قلوبكم ) وقال في آية المائدة : ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان ) [المائدة : 89] وعقد اليمين محتمل لأن يكون المراد منه عقد القلب به، ولأن يكون المراد به العقد الذي يضاد الحل، فلما ذكر هاهنا قوله : ( بما كسبت قلوبكم ) علمنا أن المراد من ذلك العقد هو عقد القلب، وأيضا ذكر المؤاخذة هاهنا، ولم يبين أن تلك المؤاخذة ما هي، وبينها في آية المائدة بقوله : ( ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته ) [المائدة : 89] فبين أن المؤاخذة هي الكفارة، فكل واحدة من هاتين الآيتين مجملة من وجه، مبينة من وجه آخر ، فصارت كل واحدة منهما مفسرة للأخرى من وجه، وحصل من كل واحدة منهما أن كل يمين ذكر على سبيل الجد وربط القلب، فالكفارة واجبة فيها، واليمين الغموس كذلك ، فكانت الكفارة واجبة فيها.
أما قوله تعالى : ( والله غفور حليم ) فقد علمت أن الغفور مبالغة في ستر الذنوب، وفي إسقاط عقوبتها، وأما الحليم فاعلم أن الحلم في كلام العرب الأناة والسكون، يقال : ضع الهودج على أحلم الجمال، أي : على أشدها تؤدة في السير، ومنه الحلم ؛ لأنه يرى في حال السكون، وحلمة الثدي، ومعنى الحليم في صفة الله : الذي لا يعجل بالعقوبة، بل يؤخر عقوبة الكفار والفجار.