النوع الثالث عشر من المحرمات : 
( وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما    ) . 
قوله تعالى : ( وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف إن الله كان غفورا رحيما    ) في الآية مسائل : 
المسألة الأولى : قوله : ( وأن تجمعوا بين الأختين    ) في محل الرفع ؛ لأن التقدير : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم والجمع بين الأختين . 
المسألة الثانية : الجمع بين الأختين يقع على ثلاثة أوجه : إما أن ينكحهما معا ، أو يملكهما معا ، أو ينكح إحداهما ويملك الأخرى ، أما الجمع بين الأختين في النكاح  ، فذلك يقع على وجهين : 
أحدهما : أن يعقد عليهما جميعا ، فالحكم ههنا : إما الجمع ، أو التعيين ، أو التخيير ، أو الإبطال ، أما الجمع فباطل بحكم هذه الآية - هكذا قالوا - إلا أنه مشكل على أصل  أبي حنيفة    - رضي الله عنه - ؛ لأن الحرمة لا تقتضي الإبطال على قول  أبي حنيفة  ، ألا ترى أن الجمع بين الطلقات  حرام على قوله ، ثم إنه يقع ، وكذا النهي عن بيع الدرهم بالدرهمين  لم يمنع من انعقاد هذا العقد ، وكذا القول في جميع المبايعات الفاسدة ، فثبت أن الاستدلال بالنهي على الفساد لا يستقيم على قوله . 
فإن قالوا : وهذا يلزمكم أيضا ؛ لأن الطلاق في زمان الحيض وفي طهر جامعها فيه منهي  عنه ، ثم إنه يقع . 
قلنا : بين الصورتين فرق دقيق لطيف ذكرناه في الخلافيات ، فمن أراده فليطلب ذلك الكتاب ، فثبت أن الجمع باطل ، وأما أن التعيين أيضا باطل ؛ فلأن الترجيح من غير مرجح باطل  ، وأما أن التخيير أيضا باطل ؛ فلأن القول بالتخيير يقتضي حصول العقد وبقاءه إلى أوان التعيين ، وقد بينا بطلانه ، فلم يبق إلا القول بفساد العقدين جميعا . 
الصورة الثانية من صور الجمع : وهي أن يتزوج إحداهما ، ثم يتزوج الأخرى بعدها ، فههنا يحكم ببطلان نكاح الثانية ؛ لأن الدفع أسهل من الرفع ، وأما الجمع بين الأختين بملك اليمين  ، أو بأن ينكح إحداهما ويشتري الأخرى ، فقد اختلفت الصحابة فيه ، فقال علي  وعمر   وابن مسعود   وزيد بن ثابت   وابن عمر    : لا يجوز الجمع بينهما ، والباقون جوزوا ذلك ، أما الأولون فقد احتجوا على قولهم بأن ظاهر الآية يقتضي تحريم الجمع بين الأختين  مطلقا ، فوجب أن يحرم الجمع بينهما على جميع الوجوه ، وعن عثمان  أنه قال : أحلتهما آية وحرمتهما آية ، والتحليل أولى ، فالآية الموجبة للتحليل هي قوله : ( والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم    ) [ النساء : 24 ] ، وقوله : ( إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم    ) [ المؤمنون : 6 ] . 
والجواب عنه من وجهين : 
الأول : أن هذه الآيات دالة على تحريم الجمع أيضا ؛ لأن المسلمين   [ ص: 31 ] أجمعوا على أنه لا يجوز الجمع بين الأختين في حل الوطء ، فنقول : لو جاز الجمع بينهما في الملك لجاز الجمع بينهما في الوطء لقوله تعالى : ( والذين هم لفروجهم حافظون  إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم    ) [ المؤمنون : 5 ، 6 ] لكنه لا يجوز الجمع بينهما في الملك ، فثبت أن هذه الآية بأن تكون دالة على تحريم الجمع بينهما في الملك أولى من أن تكون دالة على الجواز . 
الوجه الثاني : إن سلمنا دلالتها على جواز الجمع ، لكن نقول : الترجيح لجانب الحرمة ، ويدل عليه وجوه : 
الأول : قوله عليه الصلاة والسلام : " ما اجتمع الحرام والحلال إلا وغلب الحرام الحلال   " . 
الثاني : أنه لا شك أن الاحتياط في جانب الترك فيجب ، لقوله عليه الصلاة والسلام : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك   " . 
الثالث : أن مبنى الأبضاع في الأصل على الحرمة ، بدليل أنه إذا استوت الأمارات في حصول العقد مع شرائطه وفي عدمه وجب القول بالحرمة ، ولأن النكاح مشتمل على المنافع العظيمة ، فلو كان خاليا عن جهة الإذلال والضرر لوجب أن يكون مشروعا في حق الأمهات ؛ لأن إيصال النفع إليهن مندوب ؛ لقوله تعالى : ( وبالوالدين إحسانا    ) [ البقرة : 83 ] ولما كان ذلك محرما علمنا اشتماله على وجه الإذلال والمضارة ، وإذا كان كذلك كان الأصل فيه هو الحرمة ، والحل إنما ثبت بالعارض ، وإذا ثبت هذا ظهر أن الرجحان لجانب الحرمة ، فهذا هو تقرير مذهب علي    - رضي الله عنه - في هذا الباب ، أما إذا أخذنا بالمذهب المشهور بين الفقهاء ، وهو أنه يجوز الجمع بين أمتين أختين في ملك اليمين ، فإذا وطئ إحداهما حرمت الثانية ، ولا تزول هذه الحرمة ما لم يزل ملكه عن الأولى ببيع أو هبة أو عتق أو كتابة أو تزويج . 
				
						
						
