م قال تعالى : ( والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم     ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : قرأ عاصم  وحمزة  والكسائي    : عقدت بغير ألف وبالتخفيف ، والباقون بالألف والتخفيف ، وعقدت : أضافت العقد إلى واحد ، والاختيار : عاقدت ؛ لدلالة المفاعلة على عقد الحلف من الفريقين . 
المسألة الثانية : الأيمان ، جمع يمين ، واليمين  يحتمل أن يكون معناه اليد ، وأن يكون معناه القسم ، فإن كان المراد اليد ، ففيه مجاز من ثلاثة أوجه : 
أحدها : أن المعاقدة مسندة في ظاهر اللفظ إلى الأيدي ، وهي في الحقيقة مسندة إلى الحالفين ، والسبب في هذا المجاز أنهم كانوا يضربون صفقة البيع بأيمانهم ، ويأخذ بعضهم بيد بعض على الوفاء والتمسك بالعهد . 
والوجه الثاني : في المجاز : وهو أن التقدير : والذين عاقدت بحلفهم أيمانكم ، فحذف المضاف وأقام المضاف إليه مقامه ، وحسن هذا الحذف لدلالة الكلام عليه . 
الثالث : أن التقدير : والذين عاقدتهم ، إلا أنه حذف الذكر العائد من الصلة إلى الموصول ، هذا كله إذا فسرنا اليمين باليد . أما إذا فسرناها بالقسم والحلف كانت المعاقدة في ظاهر اللفظ مضافة إلى القسم ، وإنما حسن ذلك لأن سبب المعاقدة لما كان هو اليمين حسنت هذه الإضافة ، والقول في بقية المجازات كما تقدم . 
المسألة الثالثة : من الناس من قال : هذه الآية منسوخة ، ومنهم من قال : إنها غير منسوخة . أما القائلون بالنسخ فهم الذين فسروا الآية بأحد هذه الوجوه التي نذكرها : 
فالأول : هو أن المراد بالذين عاقدت أيمانكم : الحلفاء في الجاهلية ، وذلك أن الرجل كان يعاقد غيره ويقول : دمي دمك وسلمي سلمك ، وحربي حربك ، وترثني وأرثك ، وتعقل عني وأعقل عنك ، فيكون لهذا الحليف السدس من الميراث ، فنسخ ذلك بقوله تعالى : ( وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله    ) [الأحزاب : 6 ] وبقوله : ( يوصيكم الله    ) [ النساء : 11 ] . 
الثاني : أن الواحد منهم كان يتخذ إنسانا أجنبيا ابنا له ، وهم المسمون بالأدعياء ، وكانوا يتوارثون بذلك السبب ، ثم نسخ . 
الثالث : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يثبت المؤاخاة بين كل رجلين من أصحابه ، وكانت تلك المؤاخاة سببا للتوارث . واعلم أن على كل هذه الوجوه الثلاثة كانت المعاقدة سببا للتوارث بقوله : ( فآتوهم نصيبهم    ) ثم إن الله تعالى نسخ ذلك بالآيات التي تلوناها . 
القول الثاني : قول من قال : الآية غير منسوخة ، والقائلون بذلك ذكروا في تأويل الآية وجوها : 
الأول : تقدير الآية : ولكل شيء مما ترك الوالدان والأقربون والذين عاقدت أيمانكم موالي ورثة فآتوهم نصيبهم ، أي فآتوا الموالي والورثة نصيبهم ، فقوله : ( والذين عقدت أيمانكم    ) معطوف على قوله : ( الوالدان والأقربون    ) والمعنى : أن ما ترك الذين عاقدت أيمانكم فله وارث هو أولى به ، وسمى الله تعالى الوارث مولى . والمعنى لا تدفعوا المال إلى الحليف ، بل إلى المولى والوارث ، وعلى هذا التقدير فلا نسخ في الآية ، وهذا تأويل   [ ص: 70 ]  أبي علي الجبائي    . 
الثاني : المراد بالذين عاقدت أيمانكم : الزوج والزوجة ، والنكاح يسمى عقدا ، قال تعالى : ( ولا تعزموا عقدة النكاح    ) [ البقرة : 235 ] فذكر تعالى الوالدين والأقربين ، وذكر معهم الزوج والزوجة ، ونظيره آية المواريث في أنه لما بين ميراث الولد والوالدين ذكر معهم ميراث الزوج والزوجة ، وعلى هذا فلا نسخ في الآية أيضا ، وهو قول أبي مسلم الأصفهاني    . 
الثالث : أن يكون المراد بقوله : ( والذين عقدت أيمانكم    ) الميراث الحاصل بسبب الولاء  ، وعلى هذا التقدير فلا نسخ أيضا . 
الرابع : أن يكون المراد من " الذين عاقدت أيمانكم " الحلفاء ، والمراد بقوله : ( فآتوهم نصيبهم    )  النصرة والنصيحة والمصافاة في العشرة ، والمخالصة في المخالطة ، فلا يكون المراد التوارث ، وعلى هذا التقدير فلا نسخ أيضا . 
الخامس : نقل أن الآية نزلت في  أبي بكر الصديق    - رضي الله عنه - وفي ابنه عبد الرحمن  ، وذلك أنه - رضي الله عنه - حلف أن لا ينفق عليه ولا يورثه شيئا من ماله ، فلما أسلم عبد الرحمن  أمره الله أن يؤتيه نصيبه ، وعلى هذا التقدير فلا نسخ أيضا . 
السادس : قال الأصم    : إنه نصيب على سبيل التحفة والهدية بالشيء القليل ، كما أمر تعالى لمن حضر القسمة أن يجعل له نصيب على ما تقدم ذكره ، وكل هذه الوجوه حسنة محتملة ، والله أعلم بمراده . 
لمسألة الرابعة : القائلون بأن قوله : ( والذين عقدت أيمانكم    ) مبتدأ ، وخبره قوله : ( فآتوهم نصيبهم    ) قالوا : إنما جاء خبره مع الفاء لتضمن " الذي " معنى الشرط ، فلا جرم وقع خبره مع الفاء ، وهو قوله : ( فآتوهم نصيبهم    ) ويجوز أن يكون منصوبا على قولك : زيدا فاضربه . 
				
						
						
