ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=47أو نلعنهم كما لعنا أصحاب السبت ) قال
مقاتل وغيره : نمسخهم قردة كما فعلنا ذلك بأوائلهم . وقال أكثر المحققين : الأظهر حمل الآية على اللعن المتعارف ، ألا ترى إلى قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=60قل هل أنبئكم بشر من ذلك مثوبة عند الله من لعنه الله وغضب عليه وجعل منهم القردة والخنازير ) [ المائدة : 60 ]
[ ص: 99 ] ففصل تعالى ههنا بين اللعن وبين مسخهم قردة وخنازير ، وههنا سؤالات :
السؤال الأول : إلى من يرجع الضمير في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=47أو نلعنهم ) ؟
الجواب : إلى الوجوه إن أريد الوجهاء أو لأصحاب الوجوه ؛ لأن المعنى من قبل أن نطمس وجوه قوم ، أو يرجع إلى الذين أوتوا على طريقة الالتفات .
السؤال الثاني : قد كان اللعن والطمس حاصلين قبل الوعيد على الفعل ، فلا بد وأن يتحدا .
والجواب : أن لعنه تعالى لهم من بعد هذا الوعيد يكون أزيد تأثيرا في الخزي ، فيصح ذلك فيه .
السؤال الثالث : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=47ياأيها الذين أوتوا الكتاب ) خطاب مشافهة ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=47أو نلعنهم ) خطاب مغايبة ، فكيف يليق أحدهما بالآخر ؟
الجواب : منهم من حمل ذلك على طريقة الالتفات ، كما في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حتى إذا كنتم في الفلك وجرين بهم ) [ يونس : 22 ] ومنهم من قال : هذا تنبيه على أن التهديد حاصل في غيرهم ممن يكذبون من أبناء جنسهم . وعندي فيه احتمال آخر : وهو أن
nindex.php?page=treesubj&link=34080اللعن هو الطرد والإبعاد ، وذكر البعيد لا يكون إلا بالمغايبة ، فلما لعنهم ذكرهم بعبارة الغيبة .
ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=47وكان أمر الله مفعولا ) وفيه مسألتان :
المسألة الأولى : قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يريد
nindex.php?page=treesubj&link=33679_28783لا راد لحكمه ولا ناقض لأمره ، على معنى أنه لا يتعذر عليه شيء يريد أن يفعله ، كما تقول في الشيء الذي لا شك في حصوله : هذا الأمر مفعول وإن لم يفعل بعد . وإنما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=47وكان ) إخبارا عن جريان عادة الله في الأنبياء المتقدمين أنه مهما أخبرهم بإنزال العذاب عليهم فعل ذلك لا محالة ، فكأنه قيل لهم : أنتم تعلمون أنه كان تهديد الله في الأمم السالفة واقعا لا محالة ، فاحترزوا الآن وكونوا على حذر من هذا الوعيد ، والله أعلم .
المسألة الثانية : احتج
الجبائي بهذه الآية على أن كلام الله محدث فقال : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=47nindex.php?page=treesubj&link=28779_28975وكان أمر الله مفعولا ) يقتضي أن أمره مفعول ، والمخلوق والمصنوع والمفعول واحد ، فدل هذا على أن أمر الله مخلوق مصنوع ، وهذا في غاية السقوط ؛ لأن الأمر في اللغة جاء بمعنى الشأن والطريقة والفعل ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=97وما أمر فرعون برشيد ) [ هود : 97 ] والمراد ههنا ذاك .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=47أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ ) قَالَ
مُقَاتِلٌ وَغَيْرُهُ : نَمْسَخُهُمْ قِرَدَةً كَمَا فَعَلْنَا ذَلِكَ بِأَوَائِلِهِمْ . وَقَالَ أَكْثَرُ الْمُحَقِّقِينَ : الْأَظْهَرُ حَمْلُ الْآيَةِ عَلَى اللَّعْنِ الْمُتَعَارَفِ ، أَلَا تَرَى إِلَى قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=60قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ ) [ الْمَائِدَةِ : 60 ]
[ ص: 99 ] فَفَصَلَ تَعَالَى هَهُنَا بَيْنَ اللَّعْنِ وَبَيْنَ مَسْخِهِمْ قِرَدَةً وَخَنَازِيرَ ، وَهَهُنَا سُؤَالَاتٌ :
السُّؤَالُ الْأَوَّلُ : إِلَى مَنْ يَرْجِعُ الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=47أَوْ نَلْعَنَهُمْ ) ؟
الْجَوَابُ : إِلَى الْوُجُوهِ إِنْ أُرِيدَ الْوُجَهَاءُ أَوْ لِأَصْحَابِ الْوُجُوهِ ؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهَ قَوْمٍ ، أَوْ يَرْجِعَ إِلَى الَّذِينَ أُوتُوا عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ .
السُّؤَالُ الثَّانِي : قَدْ كَانَ اللَّعْنُ وَالطَّمْسُ حَاصِلَيْنِ قَبْلَ الْوَعِيدِ عَلَى الْفِعْلِ ، فَلَا بُدَّ وَأَنْ يَتَّحِدَا .
وَالْجَوَابُ : أَنَّ لَعْنَهُ تَعَالَى لَهُمْ مِنْ بَعْدِ هَذَا الْوَعِيدِ يَكُونُ أَزْيَدَ تَأْثِيرًا فِي الْخِزْيِ ، فَيَصِحُّ ذَلِكَ فِيهِ .
السُّؤَالُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=47يَاأَيُّهَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) خِطَابُ مُشَافَهَةٍ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=47أَوْ نَلْعَنَهُمْ ) خِطَابُ مُغَايَبَةٍ ، فَكَيْفَ يَلِيقُ أَحَدُهُمَا بِالْآخَرِ ؟
الْجَوَابُ : مِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ ذَلِكَ عَلَى طَرِيقَةِ الِالْتِفَاتِ ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=22حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِمْ ) [ يُونُسَ : 22 ] وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : هَذَا تَنْبِيهٌ عَلَى أَنَّ التَّهْدِيدَ حَاصِلٌ فِي غَيْرِهِمْ مِمَّنْ يَكْذِبُونَ مِنْ أَبْنَاءِ جِنْسِهِمْ . وَعِنْدِي فِيهِ احْتِمَالٌ آخَرُ : وَهُوَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34080اللَّعْنَ هُوَ الطَّرْدُ وَالْإِبْعَادُ ، وَذِكْرُ الْبَعِيدِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالْمُغَايَبَةِ ، فَلَمَّا لَعَنَهُمْ ذَكَرَهُمْ بِعِبَارَةِ الْغَيْبَةِ .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=47وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ) وَفِيهِ مَسْأَلَتَانِ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يُرِيدُ
nindex.php?page=treesubj&link=33679_28783لَا رَادَّ لِحُكْمِهِ وَلَا نَاقِضَ لِأَمْرِهِ ، عَلَى مَعْنَى أَنَّهُ لَا يَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ شَيْءٌ يُرِيدُ أَنْ يَفْعَلَهُ ، كَمَا تَقُولُ فِي الشَّيْءِ الَّذِي لَا شَكَّ فِي حُصُولِهِ : هَذَا الْأَمْرُ مَفْعُولٌ وَإِنْ لَمْ يُفْعَلْ بَعْدُ . وَإِنَّمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=47وَكَانَ ) إِخْبَارًا عَنْ جَرَيَانِ عَادَةِ اللَّهِ فِي الْأَنْبِيَاءِ الْمُتَقَدِّمِينَ أَنَّهُ مَهْمَا أَخْبَرَهُمْ بِإِنْزَالِ الْعَذَابِ عَلَيْهِمْ فَعَلَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ لَهُمْ : أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ كَانَ تَهْدِيدُ اللَّهِ فِي الْأُمَمِ السَّالِفَةِ وَاقِعًا لَا مَحَالَةَ ، فَاحْتَرِزُوا الْآنَ وَكُونُوا عَلَى حَذَرٍ مِنْ هَذَا الْوَعِيدِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : احْتَجَّ
الْجُبَّائِيُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ مُحْدَثٌ فَقَالَ : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=47nindex.php?page=treesubj&link=28779_28975وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا ) يَقْتَضِي أَنَّ أَمْرَهُ مَفْعُولٌ ، وَالْمَخْلُوقُ وَالْمَصْنُوعُ وَالْمَفْعُولُ وَاحِدٌ ، فَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ مَخْلُوقٌ مَصْنُوعٌ ، وَهَذَا فِي غَايَةِ السُّقُوطِ ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ فِي اللُّغَةِ جَاءَ بِمَعْنَى الشَّأْنِ وَالطَّرِيقَةِ وَالْفِعْلِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=97وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ ) [ هُودٍ : 97 ] وَالْمُرَادُ هَهُنَا ذَاكَ .