ثم قال تعالى : ( إن الله أعد للكافرين عذابا مهينا ) وفيه سؤال ، أنه كيف طابق الأمر بالحذر قوله : ( إن ) [ ص: 23 ] ( الله أعد للكافرين عذابا مهينا ) وجوابه : أنه تعالى لما أمر بالحذر عن العدو أوهم ذلك قوة العدو وشدتهم ، فأزال الله تعالى هذا الوهم ، بأن أخبر أنه يهينهم ويخذلهم ولا ينصرهم البتة ؛ حتى يقوي قلوب المسلمين ، ويعلموا أن الأمر بالحذر ليس لما لهم من القوة والهيبة ، وإنما هو لأجل أن يحصل الخوف في قلب المؤمنين ، فحينئذ يكونون متضرعين إلى الله تعالى في أن يمدهم بالنصر والتوفيق ، ونظيره قوله تعالى : ( إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون ) [الأنفال : 45] .
ثم قال تعالى : ( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم ) وفيه قولان :
الأول : فإذا قضيتم صلاة الخوف فواظبوا على ، فإن ما أنتم عليه من الخوف والحذر مع العدو جدير بالمواظبة على ذكر الله والتضرع إليه . ذكر الله في جميع الأحوال
الثاني : أن المراد بالذكر الصلاة ، يعني : صلوا قياما حال اشتغالكم بالمسابقة والمقارعة ، وقعودا حال اشتغالكم بالرمي ، وعلى جنوبكم حال ما تكثر الجراحات فيكم فتسقطون على الأرض ، فإذا اطمأننتم حين تضع الحرب أوزارها فأقيموا الصلاة ، فاقضوا ما صليتم في حال المسابقة .
هذا ظاهر على مذهب في إيجاب الشافعي ، وإذا اطمأنوا فعليهم القضاء إلا أن على هذا القول إشكالا ، وهو أن يصير تقدير الآية : فإذا قضيتم الصلاة فصلوا ، وذلك بعيد ؛ لأن حمل لفظ الذكر على الصلاة مجاز فلا يصار إليه إلا لضرورة . الصلاة على المحارب في حال المسابقة إذا حضر وقتها
ثم قال تعالى : ( فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا ) واعلم أن هذه الآية مسبوقة بحكمين :
أولهما : بيان القصر وهو صلاة السفر .
والثاني : صلاة الخوف ، ثم إن قوله : ( فإذا اطمأننتم ) يحتمل نقيض الأمرين ، فيحتمل أن يكون المراد من الاطمئنان أن لا يبقى الإنسان مسافرا ، بل يصير مقيما ، وعلى هذا التقدير يكون المراد : فإذا صرتم مقيمين فأقيموا الصلاة تامة من غير قصر البتة ، ويحتمل أن يكون المراد من الاطمئنان أن لا يبقى الإنسان مضطرب القلب ، بل يصير ساكن القلب ساكن النفس بسبب أنه زال الخوف ، وعلى هذا التقدير يكون المراد : فإذا زال الخوف عنكم فأقيموا الصلاة على الحالة التي كنتم تعرفونها ، ولا تغيروا شيئا من أحوالها وهيآتها .
ثم لما بالغ الله سبحانه وتعالى في شرح أقسام الصلاة فذكر صلاة السفر ، ثم ذكر بعد ذلك صلاة الخوف ختم هذه الآية بقوله : ( إن الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا ) . أي : فرضا موقتا ، والمراد بالكتاب ههنا : المكتوب ، كأنه قيل : مكتوبة موقوتة ، ثم حذف الهاء من الموقوت كما جعل المصدر موضع المفعول ، والمصدر مذكر ، ومعنى الموقوت : أنها كتبت عليهم في أوقات موقتة ، يقال : وقته ووقته مخففا ، وقرئ : ( وإذا الرسل وقتت ) [المرسلات : 11] بالتخفيف .