( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم )
قوله تعالى : ( نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم وأن عذابي هو العذاب الأليم )
في الآية مسألتان :
المسألة الأولى : أثبتت الهمزة الساكنة في ( نبئ ) صورة ، وما أثبتت في قوله : ( دفء ) [النحل : 5] لأن ما قبلها ساكن فهي تحذف كثيرا ، وتلقى حركتها على الساكن قبلها ، فـ ( نبئ ) في الخط على تحقيق الهمزة ، وليس قبل همزة ( نبئ ) ساكن فأجروها على قياس الأصل .
المسألة الثانية : اعلم أن عباد الله قسمان : منهم من يكون متقيا ، ومنهم من لا يكون كذلك ، فلما ذكر الله تعالى أحوال المتقين في الآية المتقدمة ، ذكر أحوال غير المتقين في هذه الآية فقال : ( نبئ عبادي ) .
واعلم أنه ثبت في أصول الفقه أن ترتيب الحكم على الوصف المناسب مشعر بكون ذلك الوصف علة لذلك الحكم ، فههنا وصفهم بكونهم عبادا له ، ثم أثبت عقيب ذكر هذا الوصف الحكم بكونه غفورا رحيما ، فهذا يدل على أن كل من اعترف بالعبودية ظهر في حقه كون الله غفورا رحيما ، ومن أنكر ذلك كان مستوجبا للعقاب الأليم . وفي الآية لطائف :
أحدها : أنه أضاف العباد إلى نفسه بقوله : ( عبادي ) وهذا تشريف عظيم . ألا ترى أنه لما أراد أن يشرف محمدا صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج لم يزد على قوله : ( سبحان الذي أسرى بعبده ) [ ص: 155 ] [الإسراء : 1] .
وثانيها : أنه لما ذكر الرحمة والمغفرة بالغ في التأكيد بألفاظ ثلاثة :
أولها : قوله : ( أني ) .
وثانيها : قوله : ( أنا ) .
وثالثها : إدخال حرف الألف واللام على قوله : ( الغفور الرحيم ) ولما ذكر العذاب لم يقل أني أنا المعذب ، وما وصف نفسه بذلك بل قال : ( وأن عذابي هو العذاب الأليم ) .
وثالثها : أنه أمر رسوله أن يبلغ إليهم هذا المعنى فكأنه أشهد رسوله على نفسه في التزام المغفرة والرحمة .
ورابعها : أنه لما قال : ( نبئ عبادي ) كان معناه نبئ كل من كان معترفا بعبوديتي ، وهذا كما يدخل فيه المؤمن المطيع ، فكذلك يدخل فيه المؤمن العاصي ، وكل ذلك يدل على . وعن تغليب جانب الرحمة من الله تعالى قتادة قال : بلغنا عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " لو يعلم العبد قدر عفو الله تعالى ما تورع من حرام ، ولو علم قدر عقابه لبخع نفسه " أي : قتلها ، نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ) والله أعلم . وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه مر بنفر من أصحابه ، وهم يضحكون فقال : "أتضحكون والنار بين أيديكم" فنزل قوله : (