قوله تعالى : ( أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء    ) وفيه مسائل : 
المسألة الأولى : الطفل اسم للواحد لكنه وضع هاهنا موضع الجمع لأنه يفيد الجنس ، ويبين ما بعده أنه يراد به الجمع ونظيره قوله تعالى : ( ثم نخرجكم طفلا    ) [ الحج : 5 ] . 
المسألة الثانية : الظهور على الشيء على وجهين : 
الأول : العلم به كقوله تعالى : ( إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم    ) [ الكهف : 20 ] أي إن يشعروا بكم . 
والثاني : الغلبة له والصولة عليه كقوله : ( فأصبحوا ظاهرين    ) [ الصف : 14 ] فعلى الوجه الأول يكون المعنى أو الطفل الذين لم يتصوروا عورات النساء ولم يدروا ما هي من الصغر وهو قول  ابن قتيبة  ، وعلى الثاني الذين لم يبلغوا أن يطيقوا إتيان النساء ، وهو قول الفراء  والزجاج    . 
المسألة الثالثة : أن الصغير الذي لم يتنبه لصغره على عورات النساء  فلا عورة للنساء معه ، وإن تنبه لصغره ولمراهقته لزم أن تستر عنه المرأة ما بين سرتها وركبتها ، وفي لزوم ستر ما سواه وجهان : 
أحدهما : لا يلزم لأن القلم غير جار عليه . 
والثاني : يلزم كالرجل لأنه يشتهي والمرأة قد تشتهيه وهو معنى قوله : ( أو الطفل الذين لم يظهروا على عورات النساء    ) واسم الطفل شامل له إلى أن يحتلم ، وأما الشيخ إن بقيت له شهوة فهو كالشاب ، وإن لم يبق له شهوة ففيه وجهان : 
أحدهما : أن الزينة الباطنة معه مباحة والعورة معه ما بين السرة والركبة . 
والثاني : أن جميع البدن معه عورة إلا الزينة الظاهرة ، وهاهنا آخر الصور التي استثناها الله تعالى ، قالالحسن  هؤلاء وإن اشتركوا في جواز رؤية الزينة الباطنة  فهم على أقسام ثلاثة ، فأولهم الزوج وله حرمة ليست لغيره يحل له كل شيء منها ، والحرمة الثانية للابن والأب والأخ والجد وأبي الزوج وكل ذي محرم والرضاع كالنسب يحل لهم أن ينظروا إلى الشعر والصدر والساقين والذراع وأشباه ذلك . 
والحرمة الثالثة هي للتابعين غير أولي الإربة من الرجال وكذا مملوك المرأة فلا بأس أن تقوم المرأة الشابة بين يدي هؤلاء في درع وخمار صفيق بغير ملحفة ، ولا يحل لهؤلاء أن يروا منها شعرا ولا بشرا والستر في هذا كله أفضل ، ولا يحل للشابة أن تقوم بين يدي الغريب حتى تلبس الجلباب ، فهذا ضبط هؤلاء المراتب . 
أما قوله تعالى : ( ولا يضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن    ) فقال  ابن عباس  وقتادة  كانت المرأة تمر بالناس وتضرب برجلها ليسمع قعقعة خلخالها  ، ومعلوم أن الرجل الذي يغلب عليه شهوة النساء إذا سمع صوت الخلخال يصير ذلك داعية له زائدة في مشاهدتهن ، وقد علل تعالى ذلك بأن قال : ( ليعلم ما يخفين من زينتهن    ) فنبه به على أن الذي لأجله نهي عنه أن يعلم زينتهن من الحلي وغيره وفي الآية فوائد : 
الفائدة الأولى : لما نهى عن استماع الصوت الدال على وجود الزينة  فلأن يدل على المنع من إظهار الزينة أولى الثانية : أن المرأة منهية عن رفع صوتها بالكلام بحيث يسمع ذلك الأجانب  إذ كان صوتها أقرب إلى الفتنة من صوت خلخالها ، ولذلك كرهوا أذان النساء  لأنه يحتاج فيه إلى رفع الصوت والمرأة منهية عن ذلك الثالثة :   [ ص: 183 ] تدل الآية على حظر النظر إلى وجهها بشهوة  إذا كان ذلك أقرب إلى الفتنة . 
				
						
						
