( ولقد مننا على موسى وهارون ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ونصرناهم فكانوا هم الغالبين وآتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط المستقيم [ ص: 139 ] وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبادنا المؤمنين )
قصة موسى وهارون عليهما السلام
قوله تعالى : ( ولقد مننا على موسى وهارون ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ونصرناهم فكانوا هم الغالبين وآتيناهما الكتاب المستبين وهديناهما الصراط المستقيم وتركنا عليهما في الآخرين سلام على موسى وهارون إنا كذلك نجزي المحسنين إنهما من عبادنا المؤمنين )
اعلم أن هذا هو القصة الثالثة من القصص المذكورة في هذه السورة ، واعلم أن وجوه الإنعام وإن كانت كثيرة إلا أنها محصورة في نوعين : إيصال المنافع إليه ، ودفع المضار عنه ، والله تعالى ذكر القسمين ههنا ، فقوله : ( ولقد مننا على موسى وهارون ) إشارة إلى إيصال المنافع إليهما ، وقوله : ( ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ) إشارة إلى دفع المضار عنهما .
أما القسم الأول : وهو إيصال المنافع ، فلا شك أن المنافع على قسمين : منافع الدنيا ومنافع الدين ، أما منافع الدنيا فالوجود والحياة والعقل والتربية والصحة وتحصيل صفات الكمال في ذات كل واحد منهما ، وأما منافع الدين فالعلم والطاعة ، وأعلى هذه الدرجات النبوة الرفيعة المقرونة بالمعجزات الباهرة القاهرة ، ولما ذكر الله تعالى هذه التفاصيل في سائر السور ، لا جرم اكتفى ههنا بهذا الرمز .
وأما القسم الثاني : وهو دفع الضرر فهو المراد من ونجيناهما وقومهما من الكرب العظيم ) وفيه قولان : قيل إنه الغرق ، أغرق الله فرعون وقومه ، ونجى الله قوله : ( بني إسرائيل ، وقيل : المراد أنه تعالى نجاهم من إيذاء فرعون حيث كان يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم .
واعلم أنه تعالى لما ذكر أنه من على موسى وهارون ، فصل أقسام تلك المنة . والهاء في قوله : ( ونصرناهم ) أي نصرنا موسى وهارون وقومهما : ( فكانوا هم الغالبين ) في كل الأحوال بظهور الحجة وفي آخر الأمر بالدولة والرفعة .
وثانيهما : قوله تعالى : ( وآتيناهما الكتاب المستبين ) والمراد منه التوراة ، وهو الكتاب المشتمل على جميع العلوم التي يحتاج إليها في مصالح الدين والدنيا ، كما قال : ( إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور ) ( المائدة : 44 ) .
وثالثها : قوله تعالى : ( وهديناهما الصراط المستقيم ) أي دللناهما على طريق الحق عقلا وسمعا ، وأمددناهما بالتوفيق العصمة ، وتشبيه الدلائل الحقة بالطريق المستقيم واضح .
ورابعها : قوله تعالى : ( وتركنا عليهما في الآخرين ) وفيه قولان :
الأول : أن المراد ( وتركنا عليهما في الآخرين ) وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم ، قولهم : ( سلام على موسى وهارون ) .
والثاني : أن المراد ( وتركنا عليهما في الآخرين ) وهم أمة محمد صلى الله عليه وسلم الثناء الحسن والذكر الجميل ، وعلى هذا التقدير فقوله بعد ذلك : ( سلام على موسى وهارون ) هو كلام الله تعالى ، ولما ذكر تعالى هذه الأقسام الأربعة من أبواب التعظيم والتفضيل قال : ( إنا كذلك نجزي المحسنين ) وقد سبق تفسيره ، ثم قال تعالى : ( إنهما من عبادنا المؤمنين ) والمقصود التنبيه على أن [ ص: 140 ] الفضيلة الحاصلة بسبب الإيمان أشرف وأعلى وأكمل من كل الفضائل ، ولولا ذلك لما حسن ختم فضائل موسى وهارون بكونهما من المؤمنين ، والله أعلم .