( ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون ) .
قوله تعالى : ( ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون ) .
اعلم أن المراد ولقد أهلكنا ما حولكم يا كفار مكة من القرى ، وهي قرى عاد وثمود باليمن والشام ( وصرفنا الآيات ) بيناها لهم ( لعلهم ) أي لعل أهل القرى يرجعون ، فالمراد بالتصريف الأحوال الهائلة التي وجدت قبل الإهلاك . قال الجبائي : قوله : ( لعلهم يرجعون ) معناه لكي يرجعوا عن كفرهم ، دل بذلك على أنه تعالى أراد رجوعهم ولم يرد إصرارهم . "والجواب" : أنه فعل ما لو فعله غيره لكان ذلك لأجل الإرادة المذكورة ، وإنما ذهبنا إلى هذا التأويل للدلائل الدالة على أنه سبحانه مريد لجميع الكائنات .
ثم قال تعالى : ( فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة ) القربان ما يتقرب به إلى الله تعالى ، أي اتخذوهم شفعاء متقربا بهم إلى الله حيث قالوا : ( هؤلاء شفعاؤنا عند الله ) [يونس : 18] وقالوا : ( ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى ) [الزمر : 3] وفي إعراب الآية وجوه :
الأول : قال صاحب "الكشاف" : أحد مفعولي اتخذ الراجع إلى الذين هو محذوف .
والثاني : آلهة وقربانا حال ، وقيل عليه إن الفعل المتعدي إلى مفعولين لا يتم إلا بذكرهما لفظا ، والحال مشعر بتمام الكلام ، ولا شك أن إتيان الحال بين المفعولين على خلاف الأصل .
الثاني : قال بعضهم : ( قربانا ) مفعول ثان قدم على المفعول الأول وهو "آلهة" فقيل عليه : إنه يؤدي إلى خلو الكلام عن الراجع إلى الذين .
والثالث : قال بعض المحققين : يضمر أحد مفعولي اتخذوا وهو الراجع إلى الذين ، ويجعل قربانا مفعولا ثانيا ، وآلهة عطف بيان ، إذا عرفت الكلام في الإعراب ، فنقول المقصود أن يقال : إن أولئك الذين أهلكهم الله هلا نصرهم الذين عبدوهم ، وزعموا أنهم متقربون بعبادتهم إلى الله ليشفعوا لهم ( بل ضلوا عنهم ) أي : غابوا عن نصرتهم ، وذلك إشارة إلى أن كون آلهتهم ناصرين لهم أمر ممتنع .
ثم قال تعالى : ( وذلك إفكهم ) أي : وذلك الامتناع أثر إفكهم الذي هو اتخاذهم إياها آلهة ، ، قال صاحب "الكشاف" : وقرئ " إفكهم " والإفك [ ص: 27 ] والأفك كالحذر والحذر ، وقرئ " وذلك أفكهم " بفتح الفاء والكاف ، أي ذلك الاتخاذ الذي هذا أثره وثمرته صرفهم عن الحق ، وقرئ "أفكهم" على التشديد للمبالغة ، أفكهم جعلهم آفكين ، وآفكهم أي قولهم الإفك ، أي ذو الإفك كما تقول قول كاذب . وثمرة شركهم وافترائهم على الله الكذب في إثبات الشركاء له
ثم قال : ( وما كانوا يفترون ) والتقدير وذلك ، والله أعلم . إفكهم وافتراؤهم في إثبات الشركاء لله تعالى