( ويدخلهم الجنة عرفها لهم يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) .
ثم قال تعالى : ( ويدخلهم الجنة ) .
وكأن الله تعالى عند حشرهم يهديهم إلى طريق الجنة ويلبسهم في الطريق خلع الكرامة ، وهو إصلاح البال : ( ويدخلهم الجنة ) فهو على ترتيب الوقوع .
وأما قوله : ( عرفها لهم ) ففيه وجوه :
أحدها : هو أن كل أحد يعرف منزلته ومأواه ، حتى إن ينتشرون في الأرض كل أحد يأوي إلى منزله ، ومنهم من قال : الملك الموكل بأعماله يهديه . أهل الجنة يكونون أعرف بمنازلهم فيها من أهل الجمعة
الوجه الثاني : ( عرفها لهم ) أي طيبها ، يقال : طعام معرف .
الوجه الثالث : قال : يحتمل أن يقال : "عرفها لهم" حددها من عرف الدار وأرفها أي حددها ، وتحديدها في قوله : ( الزمخشري وجنة عرضها السماوات والأرض ) [آل عمران : 133] ويحتمل أن يقال المراد هو قوله تعالى : ( وتلك الجنة التي أورثتموها ) [الزخرف : 72] مشيرا إليها معرفا لهم بأنها هي تلك ، وفيه وجه آخر وهو أن يقال : معناه : ( عرفها لهم ) قبل القتل فإن ووجه ثان : معناه : ( الشهيد قبل وفاته تعرض عليه منزلته في الجنة فيشتاق إليها ويدخلهم الجنة ) ولا حاجة إلى وصفها فإنه تعالى : ( عرفها لهم ) مرارا ووصفها . ووجه ثالث : وهو من باب تعريف الضالة فإن الله تعالى لما قال : ( إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة ) [التوبة : 111] فكأنه تعالى قال : من يأخذ الجنة ويطلبها بماله أو بنفسه فالذي قتل سمع التعريف وبذل ما طلب منه عليها فأدخلها ، ثم إنه تعالى لما بين ما على القتال من الثواب والأجر وعدهم بالنصر في الدنيا زيادة في الحث ليزداد منهم الإقدام فقال : : ( ياأيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم ) . وفي وجوه : الأول : إن تنصروا دين الله وطريقه . نصر الله تعالى
والثاني : إن تنصروا حزب الله وفريقه .
الثالث : المراد نصرة الله حقيقة ، فنقول النصرة تحقيق مطلوب أحد المتعاديين عند الاجتهاد ، والأخذ في تحقيق علامته ، ، والله يطلب قمع الكفر وإهلاك أهله وإفناء من اختار الإشراك بجهله ، فمن حقق نصرة الله حيث حقق مطلوبه لا تقول : حقق مراده فإن مراد الله لا يحققه غيره ، ومطلوبه عند أهل السنة غير مراده ، فإنه طلب الإيمان من الكافر ولم يرده وإلا لوقع . فالشيطان عدو الله يجتهد في [ ص: 43 ] تحقيق الكفر وغلبة أهل الإيمان
ثم قال : ( ينصركم ) فإن قيل : فعلام قلت : إذا نصر المؤمنين الله تعالى ، فقد حقق ما طلبه ، فكيف يحقق ما طلبه العبد وهو شيء واحد ، فنقول : المؤمن ينصر الله بخروجه إلى القتال وإقدامه ، والله ينصره بتقويته وتثبيت أقدامه ، وإرسال الملائكة الحافظين له من خلفه وقدامه ثم قال تعالى :