( حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا ) .
قوله تعالى : ( حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا ) فإن قيل : ما الشيء الذي جعل ما بعد حتى غاية له ؟ قلنا : فيه وجهان :
الأول : أنه متعلق بقوله : ( يكونون عليه لبدا ) والتقدير أنهم يتظاهرون عليه بالعداوة ويستضعفون أنصاره ويستقلون عدده ( حتى إذا رأوا ما يوعدون ) من يوم بدر وإظهار الله له عليهم أو من يوم القيامة ، فسيعلمون أيهم أضعف ناصرا وأقل عددا .
الثاني : أنه متعلق بمحذوف دلت عليه الحال من استضعاف الكفار له واستقلالهم لعدده . كأنه قيل : هؤلاء لا يزالون على ما هم عليه ، حتى إذا كان كذا كان كذا ، واعلم أن نظير هذه الآية قوله في مريم : ( حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة ) [مريم : 75] واعلم أن ، على ما قال : ( الكافر لا ناصر له ولا شفيع يوم القيامة ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع ) [غافر : 18] ( ولا يشفعون إلا لمن ارتضى ) [الأنبياء : 28] ويفر كل أحد منهم من صاحبه ، على ما قال : ( يوم يفر المرء من أخيه ) [عبس : 34] إلى آخره : ( يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت ) [الحج : 2] وأما المؤمنون فلهم العزة والكرامة والكثرة قال تعالى : ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب سلام عليكم ) [ ص: 148 ] [الرعد : 23 ، 24] والملك القدوس يسلم عليهم ( سلام قولا من رب رحيم ) [يس : 58] فهناك يظهر أن القوة والعدد في جانب المؤمنين أو في جانب الكفار .
( قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا ) قال مقاتل : لما سمعوا قوله : ( حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا ) قال النضر بن الحارث : متى يكون هذا الذي توعدنا به ؟ فأنزل الله تعالى : ( قل إن أدري أقريب ما توعدون ) إلى آخره والمعنى أن وقوعه متيقن ، أما وقت وقوعه فغير معلوم ، وقوله : ( أم يجعل له ربي أمدا ) أي : غاية وبعدا وهذا كقوله : ( وإن أدري أقريب أم بعيد ما توعدون ) [الأنبياء : 109] فإن قيل : أليس أنه قال : "بعثت أنا والساعة كهاتين" فكان عالما بقرب وقوع القيامة ، فكيف قال : ههنا لا أدري أقريب أم بعيد ؟ قلنا : المراد بقرب وقوعه هو أن ، فهذا القدر من القرب معلوم ، وأما معنى معرفة القرب القريب وعدم ذلك فغير معلوم . ما بقي من الدنيا أقل مما انقضى