[ ص: 151 ] ( سورة المزمل )
وهي عشرون آية مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
( يا أيها المزمل قم الليل )
بسم الله الرحمن الرحيم
( ياأيها المزمل ) فيه مسألتان :
المسألة الأولى : أجمعوا على أن النبي عليه السلام ، وأصله المتزمل بالتاء وهو الذي تزمل بثيابه ، أي تلفف بها ، فأدغم التاء في الزاي ، ونحوه المدثر في المتدثر ، واختلفوا المراد بالمزمل ؟ على وجوه : لم تزمل بثوبه
أحدها : قال : أول ما جاءه ابن عباس جبريل عليه السلام خافه وظن أن به مسا من الجن ، فرجع من الجبل مرتعدا وقال : زملوني ، فبينا هو كذلك إذ جاء جبريل وناداه ، وقال : يا أيها المزمل .
وثانيها : قال الكلبي : إنما تزمل النبي عليه السلام بثيابه للتهيؤ للصلاة وهو اختيار الفراء .
وثالثها : أنه عليه السلام كان نائما بالليل متزملا في قطيفة فنودي بما يهجن تلك الحالة ، وقيل : يا أيها النائم المتزمل بثوبه قم واشتغل بالعبودية .
ورابعها : أنه كان متزملا في مرط مستأنسا بها فقيل له : ( لخديجة ياأيها المزمل قم الليل ) كأنه قيل : اترك نصيب النفس واشتغل بالعبودية .
وخامسها : قال عكرمة : يا أيها الذي زمل أمرا عظيما أي حمله ، والزمل الحمل ، وازدمله احتمله .
المسألة الثانية : قرأ عكرمة (المزمل والمدثر) بتخفيف الزاي والدال وتشديد الميم والثاء على أنه اسم فاعل أو مفعول ، فإن كان على اسم الفاعل كان المفعول محذوفا , والتقدير يا أيها المزمل نفسه والمدثر نفسه وحذف المفعول في مثل هذا المقام فصيح ، قال تعالى : ( وأوتيت من كل شيء ) [النمل : 23] أي أوتيت من كل شيء شيئا ، وإن كان على أنه اسم المفعول كان ذلك لأنه زمل نفسه أو زمله غيره ، وقرئ يا أيها المتزمل على الأصل .
وقوله تعالى : ( قم الليل ) فيه مسألتان :
[ ص: 152 ] المسألة الأولى : قال : إن ابن عباس ، لقوله : ( قيام الليل كان فريضة على رسول الله قم الليل ) وظاهر الأمر للوجوب ثم نسخ ، واختلفوا في سبب النسخ على وجوه :
أولها : أنه كان فرضا قبل أن تفرض الصلوات الخمس ثم نسخ بها .
وثانيها : أنه تعالى لما قال : ( قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ) فكان الرجل لا يدري كم صلى وكم بقي من الليل فكان يقوم الليل كله مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب, وشق عليهم ذلك حتى ورمت أقدامهم وسوقهم ، فنسخ الله تعالى ذلك بقوله في آخر هذه السورة : ( فاقرءوا ما تيسر منه ) [ المزمل : 20] وذلك في صدر الإسلام ، ثم قال : وكان بين أول هذا الإيجاب وبين نسخه سنة ، وقال في رواية أخرى : إن إيجاب هذا كان ابن عباس بمكة ونسخه كان بالمدينة ، ثم نسخ هذا القدر أيضا بالصلوات الخمس ، والفرق بين هذا القول وبين القول الأول أن في هذا القول نسخ وجوب التهجد بقوله : ( فاقرءوا ما تيسر من القرآن ) ثم نسخ هذا بإيجاب الصلوات ، وفي القول الأول نسخ إيجاب التهجد بإيجاب الصلوات الخمس ابتداء ، وقال بعض العلماء : التهجد ما كان واجبا قط ، والدليل عليه وجوه :
أولها : قوله : ( ومن الليل فتهجد به نافلة لك ) [الإسراء : 79] فبين أن التهجد نافلة له لا فرض ، وأجاب عنه بأن المعنى زيادة وجوب عليك . ابن عباس
وثانيها : أن التهجد لو كان واجبا على الرسول لوجب على أمته ، لقوله : ( واتبعوه ) [الأعراف : 158] وورود النسخ على خلاف الأصل .
وثالثها : استدل بعضهم على عدم الوجوب بأنه تعالى قال : ( نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ) ففوض ذلك إلى رأي المكلف, وما كان كذلك لا يكون واجبا, وهذا ضعيف لأنه لا يبعد في العقل أن يقول : أوجبت عليك قيام الليل فأما تقديره بالقلة والكثرة فذاك مفوض إلى رأيك ، ثم إن القائلين بعدم الوجوب أجابوا عن التمسك بقوله : ( قم الليل ) وقالوا : ظاهر الأمر يفيد الندب ؛ لأنا رأينا أوامر الله تعالى تارة تفيد الندب وتارة تفيد الإيجاب ، فلا بد من جعلها مفيدة للقدر المشترك بين الصورتين دفعا للاشتراك والمجاز ، وما ذاك إلا ترجيح جانب الفعل على جانب الترك ، وأما جواز الترك فإنه ثابت بمقتضى الأصل ، فلما حصل الرجحان بمقتضى الأمر وحصل جواز الترك بمقتضى الأصل كان ذلك هو المندوب, والله أعلم .
المسألة الثانية : قرأ أبو السمال " قم الليل " بفتح الميم وغيره بضم الميم ، قال : الغرض من هذه الحركة الهرب من التقاء الساكنين ، فأي الحركات تحرك فقد حصل الغرض . وحكى أبو الفتح بن جني قطرب عنهم : قم الليل ، وقل الحق برفع الميم واللام وبع الثوب ثم قال : من كسر فعلى أصل الباب, ومن ضم أتبع, ومن فتح فقد مال إلى خفة الفتح .