المسألة السابعة : ذهب قوم من علماء الصحابة إلى أنه يجب على المريض والمسافر أن يفطرا ويصوما عدة من أيام أخر  ، وهو قول  ابن عباس   وابن عمر  ، ونقل الخطابي  في إعلام التنزيل عن ابن عمر  أنه قال : لو صام في السفر قضى في الحضر ، وهذا اختيار داود بن علي الأصفهاني  ، وذهب أكثر الفقهاء إلى أن الإفطار رخصة فإن شاء أفطر وإن شاء صام . 
حجة الأولين من القرآن والخبر ، أما القرآن فمن وجهين : 
الأول : أنا إن قرأنا " عدة " بالنصب كان التقدير : فليصم عدة من أيام أخر وهذا للإيجاب ، ولو أنا قرأنا بالرفع كان التقدير : فعليه عدة من أيام ، وكلمة " على " للوجوب ، فثبت أن ظاهر القرآن يقتضي إيجاب صوم أيام أخر ، فوجب أن يكون فطر هذه الأيام واجبا ضرورة أنه لا قائل بالجمع . 
الحجة الثانية : أنه تعالى أعاد فيما بعد ذلك هذه الآية ، ثم قال عقيبها : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر    ) ، [ البقرة : 185 ] ولا بد وأن يكون هذا اليسر والعسر شيئا تقدم ذكرهما ، وليس هناك يسر إلا أنه أذن للمريض والمسافر في الفطر ، وليس هناك عسر إلا كونهما صائمين ، فكان قوله : ( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر    ) معناه يريد منكم الإفطار ولا يريد منكم الصوم فذلك تقرير قولنا ، وأما الخبر فاثنان : 
 [ ص: 66 ] الأول : قوله عليه السلام : " ليس من البر الصيام في السفر    " ، لا يقال : هذا الخبر وارد عن سبب خاص ، وهو ما روي أنه عليه الصلاة والسلام مر على رجل جالس تحت مظلة ، فسأل عنه فقيل : هذا صائم أجهده العطش ، فقال : " ليس من البر الصيام في السفر   " لأنا نقول : العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب . 
والثاني : قوله عليه الصلاة والسلام : " الصائم في السفر كالمفطر في الحضر   " . 
أما حجة الجمهور : فهي أن في الآية إضمارا ؛ لأن التقدير : فأفطر فعدة من أيام أخر وتمام تقرير هذا الكلام أن الإضمار في كلام الله جائز في الجملة ، وقد دل الدليل على وقوعه ههنا ، أما بيان الجواز فكما في قوله تعالى : ( فقلنا اضرب بعصاك الحجر فانفجرت    ) ، [ البقرة : 60 ] ، والتقدير فضرب فانفجرت ، وكذلك قوله تعالى : ( ولا تحلقوا رءوسكم    ) [ البقرة : 196 ] إلى قوله : ( أو به أذى من رأسه ففدية    ) ، [ البقرة : 96 ] ، أي فحلق فعليه فدية فثبت أن الإضمار جائز ، أما إن الدليل دل على وقوعه ففي تقريره وجوه : 
الأول : قال القفال : قوله تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه    ) [ البقرة : 185 ] يدل على وجوب الصوم ، ولقائل أن يقول هذا ضعيف وبيانه من وجهين : 
الأول : أنا إذا أجرينا ظاهر قوله تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه    ) على العموم لزمنا الإضمار في قوله تعالى : ( فمن شهد منكم الشهر فليصمه    ) ، وقد بينا في أصول الفقه أنه متى وقع التعارض بين التخصيص وبين الإضمار كان تحمل التخصيص أولى    . 
والثاني وهو أن ظاهر قوله تعالى : ( فليصمه ) يقتضي الوجوب عينا ، ثم إن هذا الوجوب منتف في حق المريض والمسافر ، فهذه الآية مخصوصة في حقهما على جميع التقديرات ، سواء أجرينا قوله تعالى فعليه عدة من أيام أخر على ظاهره أو لم نفعل ذلك ، وإذا كان كذلك وجب إجراء هذه الآية على ظاهرها من غير إضمار . 
الوجه الثاني : ما ذكره الواحدي  في كتاب البسيط ، فقال : القضاء إنما يجب بالإفطار لا بالمرض والسفر ، فلما أوجب الله القضاء ، والقضاء مسبوق بالفطر ، دل على أنه لا بد من إضمار الإفطار ، وهذا في غاية السقوط ؛ لأن الله تعالى لم يقل : فعليه قضاء ما مضى ، بل قال : فعليه صوم عدة من أيام أخر ، وإيجاب الصوم عليه في أيام أخر لا يستدعي أن يكون مسبوقا بالإفطار . 
الوجه الثالث : ما روى أبو داود  في سننه عن  هشام بن عروة  عن أبيه عن  عائشة  أن حمزة الأسلمي  سأل النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : يا رسول الله هل أصوم على السفر  ؟ فقال - عليه الصلاة والسلام : " صم إن شئت وأفطر إن شئت   " ، ولقائل أن يقول : هذا يقتضي نسخ القرآن بخبر الواحد ؛ لأن ظاهر القرآن يقتضي وجوب صوم سائر الأيام ، فرفع هذا الخبر غير جائز إذا ثبت ضعف هذه الوجوه ، فالاعتماد في إثبات المذهب على قوله تعالى بعد هذه الآية : ( وأن تصوموا خير لكم    ) ، وسيأتي بيان وجه الاستدلال إن شاء الله تعالى . 
				
						
						
