أما قوله تعالى : ( وتدلوا بها إلى الحكام ) ففيه مسائل :
المسألة الأولى : الإدلاء مأخوذ من إدلاء الدلو ، وهو إرسالك إياها في البئر للاستقاء يقال : أدليت دلوي أدليها إدلاء فإذا استخرجتها ، قلت : دلوتها قال تعالى : ( فأدلى دلوه ) [ يوسف : 19 ] ، ثم جعل كل إلقاء قول أو فعل إدلاء ، ومنه يقال للمحتج : أدلى بحجته ، كأنه يرسلها ليصير إلى مراده كإدلاء المستقي الولد ليصل إلى مطلوبه من الماء ، وفلان يدلي إلى الميت بقرابة أو رحم ، إذا كان منتسبا إليه فيطلب الميراث بتلك النسبة طلب المستحق بالدلو الماء ، إذا عرفت هذا فنقول : إنه داخل في حكم النهي ، والتقدير : ولا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل ، ولا تدلوا إلى الحكام ، أي لا ترشوها إليهم لتأكلوا طائفة من أموال الناس بالباطل ، وفي وجهان : تشبيه الرشوة بالإدلاء
أحدهما : أن الرشوة رشاء الحاجة ، فكما أن الدلو المملوء من الماء يصل من البعيد إلى القريب بواسطة الرشاء ، فالمقصود : البعيد يصير قريبا بسبب الرشوة .
والثاني : أن الحاكم بسبب أخذ الرشوة يمضي في ذلك الحكم من غير تثبت كمضي الدلو في الإرسال ، ثم المفسرون ذكروا وجوها :
أحدها : قال ابن عباس والحسن وقتادة : المراد منه الودائع وما لا يقوم عليه بينة .
وثانيها : أن المراد هو . مال اليتيم في يد الأوصياء يدفعون بعضه إلى الحاكم ليبقى عليهم بعضه
وثالثها : أن المراد من الحاكم شهادة الزور ، وهو قول الكلبي .
ورابعها : قال الحسن : المراد هو أن يحلف ليذهب حقه .
وخامسها : هو أن يدفع إلى الحاكم رشوة ، وهذا أقرب إلى الظاهر ، ولا يبعد أيضا حمل اللفظ على الكل ، لأنها بأسرها أكل بالباطل .