مسألة
" فإذا فإن كانت معتادة ، فحيضها أيام عادتها ، وإن لم تكن معتادة ، ولها تمييز - وهو أن يكون بعض دمها أسود ثخينا ، وبعضه رقيقا أحمر - فحيضها زمن الأسود الثخين " . استمر بها الدم في الشهر الآخر
أما إذا استمر بها الدم فلا يخلو إما أن يكون لها عادة محفوظة يعلم قدرها ووقتها أو لا ، فإن كان لها عادة رجعت إلى عادتها فجلست قدر ما كانت تحبسها حيضتها ، سواء كان الدم في جميعها أسود أو أحمر ، أو بعضه أسود ، وبعضه أحمر ، في أشهر الروايتين ، وهي اختيار أكثر الأصحاب ، وإن لم تكن معتادة إما أن تكون مبتدأة أو ناسية لعادتها أو غير ذلك ، فإنها ترد إلى التمييز ، فإن دم الحيض أسود ثخين منتن محتدم ، ودم المستحاضة أحمر رقيق أو أصفر ، فتجلس زمن الدم الأسود إذا لم يزد على أكثر الحيض ولم ينقص عن أقله ، وعنه : أنها ترد إلى التمييز أولى ، فإن لم يكن لها تمييز بأن كان الدم كله أسود أو أحمر ، وزاد الأسود على أكثر الحيض أو نقص عن أقله ، ردت إلى العادة ، وهذا اختيار الخرقي ، فإن كان زمن العادة كله أسود ، [ ص: 500 ] وما سواه أحمر ، عملت بذلك بلا شبهة ، لما روت أن عائشة فاطمة بنت أبي حبيش قالت : " رواه الجماعة إلا يا رسول الله إني أستحاض فلا أطهر أفأدع الصلاة ؟ فقال : " إنما ذلك دم عرق ، وليست بالحيضة ، فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، وإذا أدبرت فاغسلي عنك الدم وصلي . ابن ماجه
وعن عن عروة بن الزبير فاطمة بنت أبي حبيش : أنها كانت تستحاض ، فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم : " " رواه إذا كان دم الحيض فإنه أسود يعرف ، فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة ، فإذا كان الآخر فتوضئي وصلي ، فإنما هو عرق أبو داود ، ولأنه خارج يوجب الغسل ، فيرجع إلى صفته عند الإشكال كالمني المشتبه بالمذي ، وكان أولى من العادة ؛ لأنه علامة في تميز الدم حاضرة ، والعادة علامة منقضية ، والأول أصح ، لما روت والنسائي رضي الله عنها أن عائشة أم حبيب بنت جحش التي كانت تحت شكت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الدم ، قال لها : " عبد الرحمن بن عوف " ، فكانت تغتسل عند كل صلاة . رواه امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ثم اغتسلي مسلم .
وعن عن القاسم أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم : إنها مستحاضة ، فقال : " زينب بنت جحش " رواه تجلس أيام أقرائها ثم تغتسل وتؤخر الظهر وتعجل العصر وتغتسل وتصلي ، وتؤخر المغرب وتعجل العشاء وتغتسل وتصليهما جميعا وتغتسل للفجر . النسائي أنها [ ص: 501 ] استفتت رسول صلى الله عليه وسلم في امرأة تهراق الدم ، فقال : " لتنظر قدر الأيام والليالي التي كانت تحيضهن من الشهر فتدع الصلاة ثم تغتسل ولتستثفر ثم تصلي أم سلمة " رواه وعن أحمد وأبو داود . وعن وابن ماجه : عائشة " رواه أنها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم لامرأة فسد حيضها واهريقت دما لا تدري ما تصلي ، قالت : " فأمرني أن آمرها فلتنتظر قدر الليالي والأيام ، ثم لتدع الصلاة فيهن وتقدرهن ثم تغتسل وتحسن طهرها ثم لتستثفر ثم تصلي ، ولأن العادة طبيعة ثابتة ، فوجب الرد إليها عند التغير لتمييز دم الجبلة من دم الفساد ، ولأن الاستحاضة مرض وفساد ، والفاسد هو ما خرج من عادة الصحة والسلامة ، ولهذا يستدل على سقم الأعضاء بخروجها عن عادتها ، وقدمنا العادة على التمييز ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أفتى به في قضايا متعددة ، ولو كان العمل بالتمييز مقدما لبدأ به ، ولأنه لم يستفصل واحدة منهن عن حال دمها ، وترك الاستفصال يوجب عدم الجواب لجميع صور السؤال ، ولأنه يبعد أن لا يكون فيهن مميزة ، ولأن الدم الموجود في العدة هو حيض في غير المستحاضة بكل حال ، فكذلك في المستحاضة ؛ بخلاف الدم الأسود ، ولأن الدم الزائد على العادة حادث مع الاستحاضة ، فكان استحاضة ، كما زاد على أكثر الدم ، وهذا لأن الحكم إذا حدث وهناك سبب صالح له أضيف إليه ، ولأن الدم الأسود إن كان أقل من العادة فالصفرة والكدرة في زمن العادة حيض ، وإن كان أكثر فلا دليل على أنه حيض ؛ لاحتمال أن يكون استحاضة ، ولأن المشهور عندنا أن الدم إذا تغير أول مرة عن حاله لا يلتفت إليه حتى يتكرر فيصير عادة في المبتدأة والمعتادة ؛ مع أنه صالح لا يكون حيضا ، فلأن يعمل بالعادة المتقدمة [ ص: 502 ] مع الاستحاضة أولى ، وأما حديث أبو داود فاطمة فقد روت رضي الله عنها عائشة أن فاطمة بنت أبي حبيش سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت : إني أستحاض فلا أطهر ، أفأدع الصلاة ؟ فقال : " لا ، إن ذلك دم عرق ، ولكن دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ، ثم اغتسلي وصلي " رواه ، فقد ردها تارة إلى التمييز ، وتارة إلى العادة ، والله أعلم أنه أمرها بالعادة أولا فلم يقطعها ، فأمرها بالتمييز ، كذلك قال البخاري الإمام أحمد : " إنها نسيت أيامها " . وقد تقدم ذكر العادة التي يرجع إليها ، وأنها لا تثبت إلا بثلاث في ظاهر المذهب ، وتثبت العادة بالتمييز ، فإذا رأت دما أسود خمسة أيام في ثلاثة أشهر ، وما فيه دم أحمر متصل ، وهي مبتدأة أو ناسية ، ثم صار دما مبهما - فإنها تجلس زمن الدم الأسود ، ولكن هل تقدم هذه العادة على التمييز بعدما أثبتنا التمييز بأول مرة ؟ على وجهين ، مثل أن ترى في الشهر الرابع خمسة : أحمر ثم أسود وثلاثة أحمر ثم أسود ، فقيل : حيضها من أول الأسود قدر عادتها ؛ لأن الأسود يمنع الأحمر قبله أن يكون حيضا ؛ لأن التمييز أصل هذه العادة ، فيكون أقوى منها ، وقيل : حيضها من الأحمر ؛ لأنه صادف زمان العادة ، ومن أصلنا أن العادة مقدمة على التمييز .