" الثالثة " : قال [ ص: 93 ] الشيخ : ينظر ، إن كان منتسبا إلى مذهب بنيناه على وجهين حكاهما القاضي هل يجوز للعامي أن يتخير ويقلد أي مذهب شاء في أن العامي هل له مذهب أم لا ؟ ( أحدهما ) لا مذهب له ; لأن المذهب لعارف الأدلة فعلى هذا له أن يستفتي من شاء من حنفي وشافعي وغيرهما . حسين
( والثاني ) وهو الأصح عند له مذهب فلا يجوز له مخالفته . وقد ذكرنا في ، المفتي المنتسب ما يجوز له أن يخالف إمامه فيه ، وإن لم يكن منتسبا بني على وجهين حكاهما القفال ابن برهان في أن العامي : هل يلزمه أن يتمذهب بمذهب معين ؟ يأخذ برخصه وعزائمه ؟ " أحدهما " لا يلزمه كما لم يلزمه في العصر الأول أن يخص بتقليده عالما بعينه ، فعلى هذا هل له أن يستفتي من شاء ؟ أم يجب عليه البحث عن أشد المذاهب وأصحها أصلا ليقلد أهله ؟ فيه وجهان مذكوران كالوجهين السابقين في البحث عن الأعلم والأوثق من المفتين . " والثاني " : يلزمه وبه قطع أبو الحسن إلكيا ، وهو جار في كل من لم يبلغ رتبة الاجتهاد من الفقهاء وأصحاب سائر العلوم ، ووجهه أنه لو جاز اتباع أي مذهب شاء لأفضى إلى أن يلتقط رخص المذاهب متبعا هواه ، ويتخير بين التحليل والتحريم والوجوب والجواز . وذلك يؤدي إلى انحلال ربقة التكليف بخلاف العصر الأول ، فإنه لم تكن المذاهب الوافية بأحكام الحوادث مهذبة وعرفت ، فعلى هذا يلزمه أن يجتهد في اختيار مذهب يقلده على التعيين ، ونحن نمهد له طريقا يسلكه في اجتهاده سهلا ، فنقول : أولا ليس له أن يتبع في ذلك مجرد التشهي ، والميل إلى ما وجد عليه آباءه ، وليس له التمذهب بمذهب أحد من أئمة الصحابة رضي الله عنهم وغيرهم من الأولين ، وإن كانوا أعلم وأعلى درجة ممن بعدهم ; لأنهم لم يتفرغوا لتدوين العلم وضبط أصوله وفروعه ، فليس لأحد منهم مذهب مهذب محرر مقرر ، وإنما قام بذلك من جاء بعدهم من الأئمة الناحلين لمذاهب الصحابة والتابعين ، القائمين بتمهيد أحكام الوقائع قبل وقوعها ، الناهضين بإيضاح أصولها وفروعها ، كمالك وغيرهما . وأبي حنيفة
[ ص: 94 ] ولما كان قد تأخر عن هؤلاء الأئمة في العصر . ونظر في مذاهبهم نحو نظرهم في مذاهب من قبلهم ، فسبرها وخبرها وانتقدها . واختار أرجحها ، ووجد من قبله قد كفاه مؤنة التصوير والتأصيل . فتفرغ للاختيار والترجيح ، والتكميل والتنقيح ، مع معرفته ، وبراعته في العلوم . وترجحه في ذلك على من سبقه ، ثم لم يوجد بعده من بلغ محله في ذلك . كان مذهبه أولى المذاهب بالاتباع والتقليد ، وهذا مع ما فيه من الإنصاف ، والسلامة من القدح في أحد الأئمة جلي واضح ، إذا تأمله العامي قاده إلى اختيار مذهب الشافعي ، والتمذهب به . الشافعي