( 2564 ) فصل : وفي يوم النحر أربعة أشياء : الرمي ، ثم النحر ، ثم الحلق ، ثم الطواف . والسنة ترتيبها هكذا    ; فإن النبي صلى الله عليه وسلم رتبها ، كذلك وصفه  جابر  في حج النبي صلى الله عليه وسلم . وروى  أنس  ، أن { النبي صلى الله عليه وسلم رمى ، ثم نحر ، ثم حلق   } . رواه أبو داود    . 
فإن أخل بترتيبها ، ناسيا أو جاهلا بالسنة فيها ، فلا شيء عليه ، في قول كثير من أهل العلم ، منهم الحسن  ،  وطاوس  ،  ومجاهد  ،  وسعيد بن جبير  ،  وعطاء  ،  والشافعي  ، وإسحاق  ،  وأبو ثور  ،  وداود  ،  ومحمد بن جرير الطبري    . وقال  أبو حنيفة    : إن قدم الحلق على الرمي ، أو على النحر  ، فعليه دم ، فإن كان قارنا فعليه دمان . وقال  زفر    : عليه ثلاثة دماء ، لأنه لم يوجد التحلل الأول ، فلزمه الدم ، كما لو حلق قبل يوم النحر . ولنا ، ما روى عبد الله بن عمرو  ، قال : قال رجل : يا رسول الله ، حلقت قبل أن أذبح . قال : { اذبح ، ولا حرج . فقال آخر : ذبحت قبل أن أرمي ؟ قال : ارم ، ولا حرج   } متفق عليه وفي لفظ قال : فجاء رجل ، فقال : يا رسول الله ، لم أشعر ، فحلقت قبل أن أذبح . وذكر الحديث . قال : فما سمعته يسأل يومئذ عن أمر مما ينسى المرء أو يجهل ، من تقديم بعض الأمور على بعضها ، وأشباهها ، إلا قال : ( افعلوا ولا حرج عليكم ) . رواه  مسلم    . وعن  ابن عباس  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قيل له يوم النحر ، وهو بمنى  ، في النحر ، والحلق ، والرمي ، والتقديم ، والتأخير ، فقال : ( لا حرج ) متفق عليه ، ورواه  عبد الرزاق  ، عن  معمر  ، عن الزهري  ، عن  عيسى بن طلحة  ، عن  عبد الله بن عمرو  ، وفيه : فحلقت قبل أن أرمي ، وتابعه على ذلك  محمد بن أبي حفصة  ، عن الزهري  ، عن عيسى  ، عن  عبد الله بن عمرو  ، قال : { سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وأتاه رجل ، فقال : يا رسول الله ، إني حلقت قبل أن أرمي ؟ قال : ارم ، ولا حرج . قال : وأتاه آخر ، فقال : إني أفضت قبل أن أرمي ؟ قال : أرم ، ولا حرج   } . وعن  ابن عباس  ، { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل يوم النحر ، عن رجل حلق قبل أن يرمي ؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا حرج ، لا حرج   } . رواه  الدارقطني  كله . وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق أن تتبع . 
على أنه لا يلزم من سقوط الدم بفقد الشيء في وقته ، سقوطه قبل وقته ، فإنه لو حلق في العمرة بعد السعي ، لا شيء عليه ، وإن كان الحل ما حصل قبله ، وكذلك في مسألتنا ، إذا قلنا : إن الحل يحصل بالحلق ، فقد حلق قبل التحلل ، ولا دم عليه . فأما إن فعله عمدا ، عالما بمخالفة السنة في ذلك ، ففيه روايتان : إحداهما ، لا دم عليه . وهو قول  عطاء  ، وإسحاق    ; لإطلاق حديث  ابن عباس  ، وكذلك حديث  عبد الله بن عمرو  ، من رواية  سفيان بن عيينة    . والثانية ، عليه دم . روي نحو ذلك عن  سعيد بن جبير  ،  وجابر بن زيد  ،  وقتادة  ،  والنخعي    ; لأن الله تعالى قال : { ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله    } . ولأن النبي صلى الله عليه وسلم رتب ، وقال : ( خذوا عني مناسككم ) . 
والحديث المطلق قد جاء مقيدا ، فيحمل المطلق على المقيد . قال  الأثرم    : سمعت  أبا عبد الله  يسأل عن رجل حلق قبل أن يذبح ؟  فقال : إن كان جاهلا ، فليس عليه ، فأما التعمد فلا ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم سأله رجل ، فقال : لم أشعر . قيل لأبي عبد الله    :  سفيان بن عيينة  لا يقول : لم أشعر .  [ ص: 231 ] فقال : نعم ، ولكن  مالكا  والناس عن الزهري    : لم أشعر ، قيل  لأبي عبد الله    : وهو في الحديث ، وقال  مالك    : إن قدم الحلق على الرمي فعليه دم ، وإن قدمه على النحر أو النحر على الرمي فلا شيء عليه . لأنه بالإجماع ممنوع من حلق شعره قبل التحلل الأول ، ولا يحصل إلا برمي الجمرة ، فأما النحر قبل الرمي  فجائز ; لأن الهدي قد بلغ محله . ولنا ، الحديث ; فإنه لم يفرق بينهما ، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قيل له في الحلق ، والنحر ، والتقديم ، والتأخير ، فقال : ( لا حرج ) . 
ولا نعلم خلافا بينهم في أن مخالفة الترتيب لا تخرج هذه الأفعال عن الإجزاء ، ولا يمنع وقوعها موقعها ، وإنما اختلفوا في وجوب الدم ، على ما ذكرنا ، والله أعلم . 
				
						
						
