( 28 ) فصل : أو كان في أرض النهر وهدة ، فيها ماء واقف وكان ذلك مع الجرية المقابلة له دون القلتين ، نجسا جميعا بوجود النجاسة في أحدهما ; لأنه ماء متصل دون القلتين ، فينجس بها جميعه كالراكد . فإن كان في جانب النهر ماء واقف ، مائل عن سنن الماء ، متصل بالجاري ،
وإن كان أحدهما قلتين لم ينجس واحد منهما ما داما متلاقيين إلا بالتغير ; لأن القلتين تدفع النجاسة عن نفسها ، وعما لاقته . ثم لا يخلو من كون النجاسة في النهر ، أو في الواقف ، فإن كانت في النهر وهو قلتان فهو طاهر على كل حال ، وكذلك الواقف ، وإن كان دون القلتين فهو نجس قبل ملاقاته للواقف ، فإذا حاذاه طهر باتصاله به ، فإذا فارقه عاد إلى التنجس ; لقلته مع وجود النجاسة فيه .
وإن كانت النجاسة في الواقف لم ينجس بحال ; لأنه لا يزال هو وما لاقاه قلتين ، لم ينجس واحد منهما ; لأنها مع ما تلاقيه أكثر من قلتين ، فإن كان الواقف دون القلتين ، والجرية كذلك ، إلا أنهما بمجموعهما يزيدان عن القلتين ، وكانت النجاسة في الواقف
وإن كانت في النهر ، فقياس قول أصحابنا أن ينجس الواقف ، والجرية التي فيها النجاسة ، وكل ما يمر بعدها بالواقف ; لأن الجرية التي فيها النجاسة كانت نجسة قبل ملاقاة الواقف ، ثم نجس بها الواقف ; لكونه ماء دون القلتين ورد عليه ماء نجس ، ولم تطهر الجرية ; لأنها بمنزلة ماء نجس صب على ما دون القلتين ، فلما صار الواقف نجسا نجس ما يمر عليه ، ويحتمل أن يحكم بطهارة ولا يتنجس الواقف بها ; لأنه ماء كثير لم يتغير فلا ينجس ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { الجرية حال ملاقاتها للواقف ، } . إذا بلغ الماء قلتين لم ينجسه شيء
وهذا مذهب . وهذا كله ما لم يتغير ، فإن تغير فهو نجس ، وحكمه حكم أعيان النجاسة ، فإذا كان الواقف متغيرا وحده فالجرية التي تمر به إن كانت قلتين فهي طاهرة ، وإن كانت دون القلتين فهي نجسة ، وإن كانت الجرية متغيرة ، والواقف قلتان ، فهو طاهر ، وإلا فهو نجس ، وإن كان بعض الواقف متغيرا وبعضه غير متغير ، وكان غير المتغير مع الجرية الملاقية له قلتين لم ينجس ; لأنه ماء زائد عن القلتين لم يتغير ، فكان طاهرا ، كما لو كانت الجرية قلتين . الشافعي
وإن كان المتغير منه الواقف يلي الجاري وغير المتغير لا يليه ولا يتصل به من أعلى الماء ولا أسفله ، ولا من ناحية [ ص: 37 ] من نواحيه ، وكل واحد منهما دون القلتين ، فينبغي أن يكون الكل نجسا ; لأن كل ما يلاقي الماء النجس لا يبلغ القلتين ، وإن اتصل به من ناحية فكل ما لم يتغير طاهر إذا بلغ القلتين ; لأنه كالغديرين اللذين بينهما ساقية ، وإن شك في ذلك فالماء طاهر ; لأن الأصل الطهارة ، فلا تزول بالشك ، والله أعلم .
( 29 ) فصل : فإن كان متغيرا بالنجاسة فهو نجس ، وإن كثر ، وإن كان في بعض الجريات ماء طاهر متوال يبلغ قلتين ، إما سابقا وإما لاحقا ، فالجميع طاهر . ما لم يتغير ; لأن القلتين تدفع النجاسة عن نفسها ، وعما اجتمعت معه . إذا اجتمعت الجريات في موضع ،
وإن كان المجتمع دون القلتين ، وفي بعض الجريات شيء نجس ، فالكل نجس في ظاهر المذهب . وإن كان قلتين إلا أن الجريات كلها نجسة ، أو بعض الجريات طاهر وبعضها نجس ، ولا يتوالى من الطاهر قلتان ، ، فظاهر المذهب أن الجميع نجس ، وإن كثر ، ويحتمل أن يكون طاهرا ، وهو مذهب ; لقوله عليه السلام : { الشافعي } ; ولأنه ماء كثير لم يتغير بالنجاسة ، فكان طاهرا ، كما لو كان متغيرا فزال تغيره بمكثه . إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث
ولنا أنه انضم النجس إلى النجس ، فصار الجميع نجسا كغير الماء ، وإن كان بعض الجريات طاهرا ، لكنه قليل ، فهو مما لا يدفع النجاسة عن نفسه ، فعن غيره أولى . فإن بنفسه ، طهر الجميع ، وإن زال بماء طاهر دون القلتين ، أو باجتماع ماء نجس إليه ، فظاهر المذهب أنه نجس ; لأنه لا يدفع النجاسة عن نفسه ، فلا يدفعها عن غيره ، ويحتمل أن يطهر ; لأنه أزال علة التنجيس ، فأزال التنجيس ، كما لو زال بنزح أو بمكثه . كان الماء كثيرا متغيرا بالنجاسة ، فزال تغيره