( 4361 ) مسألة قال : ( أو يحفر فيها بئرا ، فيكون له خمس وعشرون ذراعا حواليها ، وإن سبق إلى بئر عادية ، فحريمها خمسون ذراعا ) البئر العادية ، بتشديد الياء : القديمة ، منسوبة إلى عاد ، ولم يرد عادا بعينها ، لكن لما كانت عاد في الزمن الأول ، وكانت لها آثار في الأرض ، نسب إليها كل قديم ، فكل خمس وعشرون ذراعا من كل جانب من حفر بئرا في موات للتمليك ، فله حريمها
; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { ومن سبق إلى بئر عادية ، كان أحق بها } من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم ، فهو له . وله حريمها خمسون ذراعا من كل جانب .
نص على هذا في رواية أحمد حرب ، وعبد الله . واختاره أكثر أصحابنا . وقال القاضي : ليس هذا على طريق التحديد ، بل حريمها على الحقيقة ما تحتاج إليه في ترقية مائها منها ، فإن كان بدولاب فقدر مدار الثور أو غيره . وإن كان بساقية فبقدر طول البئر ; لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { وأبو الخطاب } . أخرجه حريم البئر مد رشائها ابن ماجه
ولأنه المكان الذي تمشي إليه البهيمة . وإن كان يستقي منها بيده ، فبقدر ما يحتاج إليه الواقف عندها . وإن كان المستخرج عينا ، فحريمها القدر الذي يحتاج إليه صاحبها للانتفاع بها ، ولا يستضر بأخذه منها ولو على ألف ذراع . ما يحتاج إليه لطرح كرايته بحكم العرف في ذلك ; لأن هذا إنما ثبت للحاجة ، فينبغي أن تراعي فيه الحاجة دون غيرها . وقال وحريم النهر من جانبيه : أبو حنيفة أربعون ذراعا ، حريم البئر خمسمائة ذراع ; لأن وحريم العين روى عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { أبا هريرة } وعن حريم البئر أربعون ذراعا لأعطان الإبل والغنم الشعبي مثله ، رواه أبو عبيد .
ولنا ما روى الدارقطني ، بإسنادهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { والخلال حريم البئر البدي خمس [ ص: 346 ] وعشرون ذراعا ، وحريم البئر العادي خمسون ذراعا } وهذا نص . وروى أبو عبيد ، بإسناده عن ، أنه قال : السنة في حريم القليب العادي خمسون ذراعا ، والبدي خمس وعشرون ذراعا يحيى بن سعيد الأنصاري
وبإسناده عن ، قال : حريم البئر البدي خمس وعشرون ذراعا من نواحيها كلها ، وحريم بئر الزرع ثلاثمائة ذراع من نواحيها كلها ، وحريم البئر العادية خمسون ذراعا من نواحيها كلها . ولأنه معنى يملك به الموات ، فلا يقف على قدر الحاجة ، كالحائط . ولأن الحاجة إلى البئر لا تنحصر في ترقية الماء ، فإنه يحتاج إلى ما حولها عطنا لإبله ، وموقفا لدوابه وغنمه ، وموضعا يجعل فيه أحواضا يسقي منها ماشيته ، وموقفا لدابته التي يستقي عليها سعيد بن المسيب
وأشباه ذلك ، فلا يختص الحريم بما يحتاج إليه لترقية الماء ، وأما حديث ، فحديثنا أصح منه ، ورواهما أبي حنيفة ، فيدل على ضعفه . إذا ثبت هذا ، فظاهر كلام أبو هريرة أن هذا الحريم مملوك لصاحب البئر . وعند الخرقي ، الشافعي ، ليس بمملوك . وقد سبق ذكر هذا . والقاضي
( 4362 ) فصل : ولا بد أن يكون البئر فيها ماء ، وإن لم يصل إلى الماء ، فهو كالمتحجر الشارع في الإحياء ، على ما قدمناه
ويجب أن يحمل قوله في البئر العادية على البئر التي انطمت وذهب ماؤها ، فجدد حفرها وعمارتها ، أو انقطع ماؤها ، فاستخرجه ، ليكون ذلك إحياء لها . وأما ، فليس لأحد احتجاره ومنعه ; لأنه يكون بمنزلة المعادن الظاهرة ، التي يرتفق بها الناس ، وهكذا العيون النابعة ، ليس لأحد أن يختص بها . ولو حفر رجل بئرا للمسلمين ينتفعون بها ، أو لينتفع هو بها مدة إقامته عندها ثم يتركها ، لم يملكها ، وكان له الانتفاع بها . البئر التي لها ماء ينتفع به المسلمون
فإذا تركها صارت للمسلمين كلهم ، كالمعادن الظاهرة ، وما دام مقيما عندها فهو أحق بها ; لأنه سابق إليها ، فهو كالمتحجر الشارع في الإحياء .