[ ص: 40 ] مسألة قال :   ( وإن لم يكن من وجد اللقيط أمينا ، منع من السفر به )  وجملة ذلك أن الملتقط إن كان أمينا أقر اللقيط في يده ; لأن  عمر  رضي الله عنه أقر اللقيط في يد أبي جميلة  ، حين قال له عريفه : إنه رجل صالح . ولأنه سبق إليه ، فكان أولى به ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم : { من سبق إلى ما لم يسبق إليه مسلم ، فهو أحق به   } . وهل يجب الإشهاد عليه  ؟ فيه وجهان أحدهما لا يجب ، كما لا يجب الإشهاد في اللقطة 
والثاني يجب لأن القصد بالإشهاد حفظ النسب والحرية ، فاختص بوجوب الشهادة ، كالنكاح ، وفارق اللقطة ; فإن المقصود منها حفظ المال ، فلم يجب الإشهاد فيها ، كالبيع . فأما إن كان غير أمين ، فظاهر كلام  الخرقي  أنه يقر في يديه ، ويمنع من السفر به ، لئلا يدعي رقه ويبيعه . وينبغي أن يجب الإشهاد عليه ، ويضم إليه من يشرف عليه ; لأننا إذا ضممنا إليه في اللقطة من يشرف عليه ، فهاهنا أولى . وقال  القاضي    : المذهب أنه ينزع من يديه . 
وهذا قول  الشافعي    ; لأنه ليس في حفظ اللقيط إلا الولاية ، ولا ولاية لفاسق . وفارق اللقطة من أوجه أحدها أن في اللقطة معنى الكسب ، وليس ها هنا إلا الولاية . والثاني أن اللقطة لو انتزعناها منه رددناها إليه بعد الحول ، فاحتطنا عليها مع بقائها في يديه ، وها هنا لا ترد إليه بعد الانتزاع منه بحال ، فكان الانتزاع أحوط . والثالث أن المقصود ثم حفظ المال ، ويمكن الاحتياط عليه بأن يستظهر عليه في التعريف ، أو ينصب الحاكم من يعرفها ، وها هنا المقصود حفظ الحرية والنسب ، ولا سبيل إلى الاستظهار عليه ; لأنه قد يدعي رقه في بعض البلدان ، أو في بعض الزمان ، ولأن اللقطة إنما يحتاج إلى حفظها والاحتياط عليها عاما واحدا ، وهذا يحتاج إلى الاحتياط عليه في جميع زمانه 
وأما على ظاهر قول  الخرقي  ، فلا ينزع منه ; لأنه قد ثبتت له الولاية بالتقاطه إياه ، وسبقه إليه ، وأمكن حفظ اللقيط في يديه بالإشهاد عليه ، وضم أمين يشارفه إليه ، ويشيع أمره ، فيعرف أنه لقيط ، فيحفظ بذلك من غير زوال ولايته . جمعا بين الحقين ، كما في اللقطة ، وكما لو كان الوصي خائنا . وما ذكر من الترجيح للقطة فيمكن معارضته بأن اللقيط ظاهر مكشوف لا تخفى الخيانة فيه ، واللقطة مستورة خفية تتطرق إليها الخيانة ، ولا يعلم بها ، ولأن اللقطة يمكن أخذ بعضها وتنقيصها وإبدالها ، ولا يتمكن من ذلك في اللقيط 
ولأن المال محل الخيانة ، والنفوس إلى تناوله وأخذه داعية ، بخلاف اللقيط . فعلى هذا ، متى أراد الملتقط السفر باللقيط منع منه ; لأنه يبعده ممن عرف ; فلا يؤمن أن يدعي رقه ويبيعه . 
				
						
						
