( 7388 ) ولو عض رجل يد آخر ، فله جذبها من فيه ، فإن جذبها فوقعت ثنايا العاض ، فلا ضمان فيها . وبهذا قال  أبو حنيفة  ،  والشافعي  ، وروى سعيد  ، عن  هشيم  ، عن محمد بن عبد الله  أن رجلا عض رجلا ، فانتزع يده من فيه ، فسقط بعض أسنان العاض  ، فاختصما إلى  شريح  ، فقال  شريح    : انزع يدك من في السبع ، وأبطل أسنانه . 
وحكي عن  مالك  ،  وابن أبي ليلى  ، عليه الضمان ; لقول النبي صلى الله عليه وسلم {   : في السن خمس من الإبل   } . ولنا ، ما روى  يعلى بن أمية  قال : كان لي أجير ، فقاتل إنسانا ، فعض أحدهما يد الآخر ، قال : فانتزع المعضوض يده من في العاض فانتزع إحدى ثنيتيه ، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فأهدر ثنيته ، فحسبت أنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم { أفيدع يده في فيك تقضمها قضم الفحل ، .   } متفق عليه . 
ولأنه عضو تلف ضرورة دفع شر صاحبه ، فلم يضمن ، كما لو صال عليه ، فلم يمكنه دفعه إلا بقطع عضوه . وحديثهم يدل على دية السن إذا قلعت ظلما ، وهذه لم تقلع ظلما ، وسواء كان المعضوض ظالما أو مظلوما ; لأن العض محرم ، إلا أن يكون العض مباحا ، مثل أن يمسكه في موضع يتضرر بإمساكه ، أو يعض يده ، ونحو ذلك مما لا يقدر على التخلص من ضرره إلا بعضه ، فيعضه ، فما سقط من أسنانه ضمنه ; لأنه عاض والعض مباح . 
ولذلك لو عض أحدهما يد الآخر ، ولم يمكن المعضوض تخليص يده إلا بعضه ، فله عضه ، ويضمن الظالم منهما ما تلف من المظلوم ، وما تلف من الظالم هدر . وكذلك الحكم فيما إذا عضه في غير يده ، أو عمل به عملا غير العض أفضى إلى تلف شيء من الفاعل ، لم يضمنه . وقد روى محمد بن عبد الله    : أن غلاما أخذ قمعا من أقماع الزياتين ، فأدخله بين فخذي رجل ، ونفخ فيه ، فذعر الرجل من ذلك ، وخبط برجله ، فوقع على الغلام ، فكسر بعض أسنانه ، فاختصموا إلى  شريح  ، فقال  شريح    : لا أعقل الكلب الهرار . 
قال  القاضي    : يخلص المعضوض يده بأسهل ما يمكن ، فإن أمكنه فك لحييه بيده الأخرى فعل ، وإن لم يمكنه لكمه في فكه ، فإن لم يمكنه جذب يده من فيه ، فإن لم يخلص ، فله أن يعصر خصيتيه ، فإن لم يمكنه ، فله أن يبعج بطنه ، وإن أتى على نفسه . والصحيح أن هذا الترتيب غير معتبر ، وله أن يجذب يده من فيه أولا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستفصل ، ولأنه لا يلزمه  [ ص: 155 ] ترك يده في فم العاض حتى يتحيل بهذه الأشياء المذكورة ، ولأن جذب يده مجرد تخليص ليده ، وما حصل من سقوط الأسنان حصل ضرورة التخليص الجائز ، ولكم فكه جناية غير التخليص ، وربما تضمنت التخليص ، وربما أتلفت الأسنان التي لم يحصل العض بها ، وكانت البداءة بجذب يده أولى . 
وينبغي أنه متى أمكنه جذب يده ، فعدل إلى لكم فكه ، فأتلف سنا ، ضمنه ، لإمكان التخلص بما هو أولى منه . 
				
						
						
