( 7883 ) مسألة ; قال وإذا مضى من نهار يوم الأضحى مقدار صلاة العيد وخطبته ، فقد حل الذبح إلى  [ ص: 358 ] آخر يومين من أيام التشريق نهارا ، ولا يجوز ليلا الكلام في وقت الذبح  في ثلاثة أشياء أوله ، وآخره ، وعموم وقته أو خصوصه . أما أوله ، فظاهر كلام  الخرقي  أنه إذا مضى من نهار يوم العيد قدر تحل فيه الصلاة ، وقدر الصلاة والخطبتين التامتين في أخف ما يكون ، فقد حل وقت الذبح ، ولا تعتبر نفس الصلاة ، لا فرق في هذا بين أهل المصر وغيرهم . 
وهذا مذهب  الشافعي  ،  وابن المنذر  وظاهر كلام  أحمد  ، أن من شرط جواز التضحية في حق أهل المصر صلاة الإمام وخطبته . وروي نحو هذا عن الحسن  ، والأوزاعي  ،  ومالك  ،  وأبي حنيفة  ، وإسحاق    ; لما روى جندب بن عبد الله البجلي  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { من ذبح قبل أن يصلي فليعد مكانها أخرى .   } وعن  البراء  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من صلى صلاتنا ، ونسك نسكنا ، فقد أصاب النسك ، ومن ذبح قبل أن يصلي ، فليعد مكانها أخرى   } متفق عليه . وفي لفظ قال : إن أول نسكنا في يومنا هذا الصلاة ثم ، الذبح ، فمن ذبح قبل الصلاة ، فتلك شاة لحم قدمها لأهله ، ليس من النسك في شيء " وظاهر هذا اعتبار نفس الصلاة . وقال  عطاء    : وقتها إذا طلعت الشمس ; لأنها عبادة يتعلق آخرها بالوقت ، فتعلق أولها بالوقت ، كالصيام . 
وهذا وجه قول  الخرقي  ومن وافقه . والصحيح ، إن شاء الله تعالى ، أن وقتها في الموضع الذي يصلى فيه بعد الصلاة ; لظاهر الخبر ، والعمل بظاهره أولى . فأما غير أهل الأمصار والقرى ، فأول وقتها في حقهم قدر الصلاة والخطبة بعد الصلاة ; لأنه لا صلاة في حقهم تعتبر ، فوجب الاعتبار بقدرها . وقال  أبو حنيفة    : أول وقتها في حقهم إذا طلع الفجر الثاني ; لأنه من يوم النحر ، فكان وقتها منه كسائر اليوم . 
ولنا ، أنها عبادة وقتها في حق أهل المصر بعد إشراق الشمس ، فلا تتقدم وقتها في حق غيرهم ، كصلاة العيد . وما ذكروه يبطل بأهل الأمصار فإن لم يصل الإمام في المصر ، لم يجز الذبح حتى تزول الشمس ; لأنها حينئذ تسقط ، فكأنه قد صلى ، وسواء ترك الصلاة عمدا أو غير عمد ، لعذر أو غيره . فأما الذبح في اليوم الثاني ، فهو في أول النهار ; لأن الصلاة فيه غير واجبة ، ولأن الوقت قد دخل في اليوم الأول ، وهذا من أثنائه ، فلا تعتبر فيه صلاة ولا غيرها . وإن صلى الإمام في المصلى ، واستخلف من صلى في المسجد ، فمتى صلوا في أحد الموضعين جاز الذبح ; لوجود الصلاة التي يسقط بها الفرض عن سائر الناس فإن ذبح بعد الصلاة قبل الخطبة أجزأ ، في ظاهر كلام  أحمد    ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم علق المنع على فعل الصلاة ، فلا يتعلق بغيره ، ولأن الخطبة غير واجبة . وهذا قول  الثوري    . 
الثاني ، آخر الوقت ، وآخره آخر اليوم الثاني من أيام التشريق فتكون أيام النحر ثلاثة ; يوم العيد ، ويومان بعده . وهذا قول  عمر  ،  وعلي  ،  وابن عمر  ،  وابن عباس  ،  وأبي هريرة  ،  وأنس    . قال  أحمد    : أيام النحر ثلاثة ، عن غير واحد  [ ص: 359 ] من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . وفي رواية ، قال : خمسة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم . ولم يذكر  أنسا    . وهو قول  مالك  ،  والثوري  ،  وأبي حنيفة    . وروي عن  علي  ، آخر أيام التشريق . وهو مذهب  الشافعي  ، وقول  عطاء  ، والحسن    ; لأنه روي عن  جبير بن مطعم  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أيام منى  كلها منحر   } . ولأنها أيام تكبير وإفطار ، فكانت محلا للنحر كالأولين . 
وقال  ابن سيرين    : لا تجوز إلا في يوم النحر خاصة ; لأنها وظيفة عيد ، فلا تجوز إلا في يوم واحد ، كأداء الفطر . يوم الفطر . وقال  سعيد بن جبير  ،  وجابر بن زيد  ، كقول  ابن سيرين  في أهل الأمصار ، وقولنا في أهل منى  ، وعن  أبي سلمة بن عبد الرحمن  ،  وعطاء بن يسار    : تجوز التضحية إلى هلال المحرم . وقال  أبو أمامة بن سهل بن حنيف    : كان الرجل من المسلمين يشتري أضحية ، فيسمنها حتى يكون آخر ذي الحجة ، فيضحي بها . رواه الإمام  أحمد  بإسناده . وقال : هذا الحديث عجيب . وقال : أيام الأضحى التي أجمع عليها ثلاثة أيام . ولنا ، أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ادخار لحوم الأضاحي فوق ثلاث . 
ولا يجوز الذبح في وقت لا يجوز ادخار الأضحية إليه ، ولأن اليوم الرابع لا يجب الرمي فيه ، فلم تجز التضحية فيه ، كالذي بعده ، ولأنه قول من سمينا من الصحابة ، ولا مخالف لهم إلا رواية عن  علي  ، وقد روي عنه مثل مذهبنا ، وحديثهم إنما هو : " ومنى  كلها منحر " . ليس فيه ذكر الأيام ، والتكبير أعم من الذبح ، وكذلك الإفطار ، بدليل أول يوم النحر ، ويوم عرفة  يوم تكبير ، ولا يجوز الذبح فيه . الثالث ، في زمن الذبح ، وهو النهار دون الليل نص عليه  أحمد  ، في رواية  الأثرم    . وهو قول  مالك    . وروي عن  عطاء  ما يدل عليه . وحكي عن  أحمد  ، رواية أخرى ، أن الذبح يجوز ليلا . 
وهو اختيار أصحابنا المتأخرين ، وقول  الشافعي  ، وإسحاق  ،  وأبي حنيفة  وأصحابه ; لأن الليل زمن يصح فيه الرمي ، فأشبه النهار . ووجه قول  الخرقي  قول الله تعالى : { ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام    } وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن الذبح بالليل . ولأنه ليل يوم يجوز الذبح فيه ، فأشبه ليلة يوم النحر ، ولأن الليل تتعذر فيه تفرقة اللحم في الغالب ، فلا يفرق طريا ، فيفوت بعض المقصود ; ولهذا قالوا : يكره الذبح فيه . فعلى هذا ، إن ذبح ليلا لم يجزئه عن الواجب ، وإن كان تطوعا فذبحها ، كانت شاة لحم ، ولم تكن أضحية ، فإن فرقها ، حصلت القربة بتفريقها ، دون ذبحها . 
				
						
						
