[ ص: 417 ] فصل : وإن ، لم يحنث . وبهذا قال حلف لا يبيع ، أو لا يزوج ، فأوجب البيع والنكاح ، ولم يقبل المتزوج والمشتري ، أبو حنيفة . ولا نعلم فيه خلافا ; لأن البيع والنكاح عقدان لا يتمان إلا بالقبول فلم يقع الاسم على الإيجاب بدونه ، فلم يحنث به . وإن والشافعي ، فقال حلف لا يهب ، ولا يعير فأوجب ذلك ، ولم يقبل الآخر : يحنث . وهو قول القاضي ، أبي حنيفة وابن سريج ، لأن الهبة والعارية لا عوض فيهما ، فكان مسماهما الإيجاب ، والقبول شرط لنقل الملك ، وليس هو من السبب ، فيحنث بمجرد الإيجاب فيهما ، كالوصية .
وقال : لا يحنث بمجرد الإيجاب ; لأنه عقد لا يتم إلا بالقبول ، فلم يحنث فيه بمجرد الإيجاب ، كالنكاح والبيع . فأما الوصية والهدية والصدقة ، فقال الشافعي : يحنث فيها بمجرد الإيجاب . ولا أعلم قول أبو الخطاب فيها ، إلا أن الظاهر أنه لا يخالف في الوصية والهدية ; لأن الاسم يقع عليهما بدون القبول ، ولهذا لما قال الله تعالى : { الشافعي كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } إنما أراد الإيجاب دون القبول ، ولأن الوصية صحيحة قبل موت الموصي ، ولا قبول لها حينئذ .
( 8006 ) فصل : وإن ، حنث بمجرد الإيجاب ، والقبول الصحيح . لا نعلم فيه خلافا ; لأن ذلك يحصل به المسمى الشرعي ، فتناوله يمينه . وإن حلف ليتزوجن ، بر بذلك ، سواء كانت له امرأة أو لم يكن ، وسواء تزوج نظيرتها أو دونها أو أعلى منها ، إلا أن يحتال على حل يمينه بتزويج لا يحصل مقصودها ، مثل أن يواطئ امرأته على نكاح لا يغيظها به ، ليبر في يمينه ، فلا يبر بهذا . وقال أصحابنا : إذا حلف لا يتزوج ، لا يبر حتى يتزوج نظيرتها ، ويدخل بها . وهو قول حلف ليتزوجن على امرأته ; لأنه قصد غيظ زوجته ، ولا يحصل إلا بذلك . مالك
ولنا ، أنه تزوج تزويجا صحيحا ، فبر به ، كما لو تزوج نظيرتها ، ودخل بها ، وقولهم : إن الغيظ لا يحصل إلا بتزويج نظيرتها ، والدخول بها غير مسلم ; فإن الغيظ يحصل بمجرد الخطبة ، وإن حصل بما ذكروه زيادة في الغيظ فلا تلزمه الزيادة على الغيظ الذي يحصل بما تناولته يمينه ، كما أنه لا يلزمه نكاح اثنتين ولا ثلاث ، ولا أعلى من نظيرتها ، والذي تناولته يمينه مجرد التزويج ، ولذلك لو حلف لا يتزوج على امرأته ، حنث بهذا ، فكذلك يحصل البر به ; لأن المسمى واحد ، فما تناوله النفي تناوله في الإثبات ، وإنما لا يبر إذا تزوج تزويجا لا يحصل به الغيظ ، كما ذكرناه من الصورة ونظائرها ; لأن مبنى الأيمان على المقاصد والنيات ، ولم يحصل مقصوده ، ولأن التزويج هاهنا يحصل حيلة على التخلص من يمينه بما لا يحصل مقصودها ، فلم تقبل منه حيلته .
وقد نص على هذا ، فقال : إذا حلف ليتزوجن على امرأته ، فتزوج بعجوز أو زنجية ، لا يبر ; لأنه أراد أن يغيرها ويغمها ، وبهذا لا تغار ولا تغتم . فعلله أحمد بما لا يغيظ به الزوجة ، ولم يعتبر أن تكون نظيرتها ; لأن الغيظ لا يتوقف على ذلك ، ولو قدر أن تزوج العجوز يغيظها والزنجية ، لبر به ، وإنما ذكره أحمد ; لأن الغالب أنه لا يغيظها ، لأنها تعلم أنه إنما فعل ذلك حيلة لئلا يغيظها ، ويبر به . أحمد