( 8350 ) مسألة ; قال : ( وما أدركه من الفعل نظرا ، أو سمعه تيقنا ، وإن لم ير المشهود عليه ، شهد به ) وجملة ذلك أن الشهادة لا تجوز إلا بما علمه ; بدليل قوله تعالى : { إلا من شهد بالحق وهم يعلمون } . وقوله تعالى : { ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا } . [ ص: 163 ] وتخصيصه لهذه الثلاثة بالسؤال ; لأن العلم بالفؤاد ، وهو يستند إلى السمع والبصر ; ولأن مدرك الشهادة الرؤية والسماع ، وهما بالبصر والسمع . وروي عن ، أنه قال : { ابن عباس سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الشهادة ، قال : هل ترى الشمس ؟ . قال : نعم . قال : على مثلها فاشهد أو دع } . رواه ، في " الجامع " بإسناده . الخلال
إذا ثبت هذا ، فإن وما عداهما من مدارك العلم كالشم والذوق واللمس ، لا حاجة إليها في الشهادة في الأغلب . فأما ما يقع بالرؤية ، فالأفعال ; كالغصب ، والإتلاف ، والزنى ، وشرب الخمر ، وسائر الأفعال ، وكذلك الصفات المرئية ; كالعيوب في المبيع ، ونحوها ، فهذا لا تتحمل الشهادة فيه إلا بالرؤية ; لأنه يمكن الشهادة عليه قطعا ، فلا يرجع إلى غير ذلك . مدرك العلم الذي تقع به الشهادة اثنان ، الرؤية والسماع ،
وأما السماع فنوعان ; أحدهما ، من المشهود عليه ، مثل العقود ; كالبيع ، والإجارة ، وغيرهما من الأقوال ، فيحتاج إلى أن يسمع كلام المتعاقدين ، ولا تعتبر رؤية المتعاقدين ، إذا عرفهما وتيقن أنه كلامهما . وبهذا قال ، ابن عباس والزهري ، ، وربيعة ، والليث ، وشريح ، وعطاء ، وابن أبي ليلى . وذهب ومالك ، أبو حنيفة ، إلى أن الشهادة لا تجوز حتى يشاهد القائل المشهود عليه ; لأن الأصوات تشتبه ، فلا يجوز أن يشهد عليها من غير رؤية ، كالخط . ولنا ، أنه عرف المشهود عليه يقينا ، فجازت شهادته عليه ، كما لو رآه . والشافعي
وجواز اشتباه الأصوات كجواز اشتباه الصور ، وإنما تجوز الشهادة لمن عرف المشهود عليه يقينا ، وقد يحصل العلم بالسماع يقينا ، وقد اعتبره الشرع بتجويزه الرواية من غير رؤية ، ولهذا قبلت رواية الأعمى ، ورواية من روى عن أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير محارمهن . وأما النوع الثاني ، فسنذكره إن شاء الله تعالى في المسألة التي تلي هذا . ( 8351 ) فصل : ، جاز أن يشهد عليه ، حاضرا كان أو غائبا ، وإن لم يعرف ذلك ، لم يجز أن يشهد عليه مع غيبته ، وجاز أن يشهد عليه حاضرا بمعرفة عينه . نص عليه إذا عرف المشهود عليه باسمه وعينه ونسبه . أحمد
قال مهنا : سألت عن رجل شهد لرجل بحق له على رجل ، وهو لا يعرف اسم هذا ، ولا اسم هذا ، إلا أنه يشهد له ، فقال : إذا قال : أشهد أن لهذا على هذا . وهما شاهدان جميعا ، فلا بأس ، وإن كان غائبا ، فلا يشهد حتى يعرف اسمه . ( 8352 ) فصل : أحمد قال والمرأة كالرجل ، في أنه إذا عرفها وعرف اسمها ونسبها ، جاز أن يشهد عليها مع غيبتها . وإن لم يعرفها ، لم يشهد عليها مع غيبتها . ، في رواية الجماعة : لا تشهد إلا لمن تعرف ، وعلى من تعرف ، ولا يشهد إلا على امرأة قد عرفها ، وإن كانت ممن قد عرف اسمها ، ودعيت ، وذهبت ، وجاءت ، فليشهد ، وإلا فلا يشهد ، فأما إن لم يعرفها ، فلا يجوز أن يشهد مع غيبتها . أحمد
ويجوز أن يشهد على عينها إذا عرف عينها ، ونظر إلى وجهها . قال ولا يشهد على امرأة ، حتى ينظر إلى وجهها . وهذا محمول على الشهادة على من لم يتيقن معرفتها . فأما من تيقن معرفتها ، وتعرف بصوتها يقينا ، فيجوز أن يشهد عليها إذا تيقن صوتها ، على [ ص: 164 ] ما قدمناه في المسألة قبلها . فإن لم يعرف المشهود عليه ، فعرفه عنده من يعرفه ، فقد روي عن أحمد ، أنه قال : لا يشهد على شهادة غيره إلا بمعرفته لها . وقال : لا يجوز للرجل أن يقول للرجل : أنا أشهد أن هذه فلانة . ويشهد على شهادته . أحمد
وهذا صريح في المنع من وقال الشهادة على من لا يعرفه بتعريف غيره . : يجوز أن يحمل هذا على الاستحباب ، لتجويزه الشهادة بالاستفاضة . وظاهر قوله المنع منه . وقال القاضي : أحمد وهذا يحتمل أنه لا يدخل عليها بيتها ليشهد عليها إلا بإذن زوجها ; لما روى لا يشهد على امرأة إلا بأذن زوجها . قال : { عمرو بن العاص } . رواه نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يستأذن على النساء إلا بإذن أزواجهن ، في " مسنده " . فأما أحمد فجائزة ; لأن إقرارها صحيح ، وتصرفها إذا كانت رشيدة صحيح ، فجاز أن يشهد عليها به . الشهادة عليها في غير بيتها