( 8360 ) مسألة ; قال : ( والعدل من لم تظهر منه ريبة . وهذا قول  إبراهيم النخعي  ، وإسحاق    ) وجملته أن العدل هو الذي تعتدل أحواله في دينه وأفعاله .  قال  القاضي    : يكون ذلك في الدين والمروءة والأحكام . أما الدين فلا يرتكب كبيرة ، ولا يداوم على صغيرة ، فإن الله تعالى أمر أن لا تقبل شهادة القاذف ، فيقاس عليه كل مرتكب كبيرة ، ولا يجرحه عن العدالة فعل صغيرة ; لقول الله تعالى : { الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم    } . 
قيل : اللمم صغار الذنوب . ولأن التحرز منها غير ممكن ، جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن تغفر اللهم تغفر جما وأي عبد لك لا ألما ؟   } أي لم يلم . فإن " لا " مع الماضي بمنزلة " لم " مع المستقبل . وقيل : اللمم أن يلم بالذنب ، ثم لا يعود فيه . والكبائر كل معصية فيها حد ، والإشراك بالله ، وقتل النفس التي حرم الله ، وشهادة الزور ، وعقوق الوالدين . وروى  أبو بكرة  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ألا أنبئكم بأكبر الكبائر ؟ الإشراك بالله ، وقتل النفس التي حرم  [ ص: 170 ] الله ، وعقوق الوالدين . وكان متكئا فجلس ، فقال : ألا وقول الزور وقول الزور . فما زال يكررها حتى قلنا : ليته سكت .   } متفق عليه . 
قال  أحمد    : لا تجوز شهادة آكل الربا ، والعاق  ، وقاطع الرحم ، ولا تقبل شهادة من لا يؤدي زكاة ماله ، وإذا أخرج في طريق المسلمين الأسطوانة والكنيف لا يكون عدلا ، ولا يكون ابنه عدلا إذا ورث أباه حتى يرد ما أخذه من طريق المسلمين ، ولا يكون عدلا إذا كذب الكذب الشديد ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم رد شهادة رجل في كذبه . وقال : عن الزهري  ، عن عروة  ، عن  عائشة  ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : { لا تجوز شهادة خائن ، ولا خائنة ، ولا مجلود في حد ، ولا ذي غمر على أخيه في عداوة ، ولا القاطع لأهل البيت ، ولا مجرب عليه شهادة زور ، ولا ضنين في ولاء ولا قرابة   } . وقد رواه أبو داود  ، وفيه : { لا تجوز شهادة خائن ولا خائنة ، ولا زان ولا زانية ، ولا ذي غمر على أخيه   } . 
فأما الصغائر ، فإن كان مصرا عليها ، ردت شهادته ، وإن كان الغالب من أمره الطاعات ، لم يرد ; لما ذكرنا من عدم إمكان التحرز منه . فأما المروءة فاجتناب الأمور الدنيئة المزرية به ،  وذلك نوعان ; أحدهما ، من الأفعال ، كالأكل في السوق . يعني به الذي ينصب مائدة في السوق ، ثم يأكل والناس ينظرون . ولا يعني به أكل الشيء اليسير ، كالكسرة ونحوها . وإن كان يكشف ما جرت العادة بتغطيته من بدنه ، أو يمد رجليه في مجمع الناس ، أو يتمسخر بما يضحك الناس به ، أو يخاطب امرأته أو جاريته أو غيرهما بحضرة الناس بالخطاب الفاحش ، أو يحدث الناس بمباضعته أهله ، ونحو هذا من الأفعال الدنيئة ، ففاعل هذا لا تقبل شهادته ; لأن هذا سخف ودناءة ، فمن رضيه لنفسه واستحسنه ، فليست له مروءة ، فلا تحصل الثقة بقوله . 
قال  أحمد  ، في رجل شتم بهيمة : قال الصالحون : لا تقبل شهادته حتى يتوب . وقد روى  أبو مسعود البدري  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى ، إذا لم تستح فاصنع ما شئت   } . يعني من لم يستح صنع ما شاء . ولأن المروءة تمنع الكذب ، وتزجر عنه ، ولهذا يمتنع منه ذو المروءة وإن لم يكن ذا دين . وقد روي عن  أبي سفيان  ، أنه حين سأله قيصر  عن النبي صلى الله عليه وسلم وصفته فقال : والله لولا أني كرهت أن يؤثر عني الكذب ، لكذبته . ولم يكن يومئذ ذا دين . ولأن الكذب دناءة ، والمروءة تمنع من الدناءة . وإذا كانت المروءة مانعة من الكذب ، اعتبرت في العدالة ، كالدين ، ومن فعل شيئا من هذا مختفيا به ، لم يمنع من قبول شهادته ; لأن مروءته لا تسقط به . 
وكذلك إن فعله مرة ، أو شيئا قليلا ، لم ترد شهادته ; لأن صغير المعاصي لا يمنع الشهادة إذا قل ، فهذا أولى ، ولأن المروءة لا تختل بقليل هذا ، ما لم يكن عادته . النوع الثاني ، في الصناعات الدنيئة ; كالكساح والكناس ، لا تقبل شهادتهما    ; لما روى سعيد  ، في " سننه " أن رجلا أتى  ابن عمر  ، فقال له : إني رجل كناس ، فقال : أي شيء تكنس ، الزبل ؟ . قال : لا . قال : العذرة ؟  [ ص: 171 ] قال : نعم . قال : منه كسبت المال ، ومنه تزوجت ، ومنه حججت ؟ قال : نعم . قال : الأجر خبيث ، وما تزوجت خبيث ، حتى تخرج منه كما دخلت فيه . وعن  ابن عباس  مثله في الكساح . ولأن هذا دناءة يجتنبه أهل المروءات ، فأشبه الذي قبله . 
فأما الزبال والقراد والحجام  ونحوهم ، ففيه وجهان ; أحدهما ، لا تقبل شهادتهم ; لأنه دناءة يجتنبه أهل المروءات ، فهو كالذي قبله . والثاني ، تقبل ; لأن بالناس إليه حاجة . فعلى هذا الوجه ، إنما تقبل شهادته إذا كان يتنظف للصلاة في وقتها ويصليها ، فإن صلى بالنجاسة ، لم تقبل شهادته ، وجها واحدا . وأما الحائك والحارس والدباغ  ، فهي أعلى من هذه الصنائع ، فلا ترد بها الشهادة . وذكرها  أبو الخطاب  في جملة ما فيه وجهان . 
وأما سائر الصناعات التي لا دناءة ، فيها  فلا ترد الشهادة بها ، إلا من كان منهم يحلف كاذبا ، أو يعد ويخلف ، وغلب هذا عليه ، فإن شهادته ترد . وكذلك من كان منهم يؤخر الصلاة عن أوقاتها ، أو لا يتنزه عن النجاسات ، فلا شهادة له ، ومن كانت صناعته محرمة ; كصانع المزامير والطنابير ، فلا شهادة له . ومن كانت صناعته يكثر فيها الربا ، كالصائغ والصيرفي ، ولم يتوق ذلك  ، ردت شهادته . 
				
						
						
