( 8366 ) فصل : واختلف أصحابنا في الغناء    ; فذهب  أبو بكر الخلال  ، وصاحبه أبو بكر عبد العزيز  ، إلى إباحته . قال أبو بكر عبد العزيز    : والغناء والنوح معنى واحد ، مباح ما لم يكن معه منكر ، ولا فيه طعن . وكان  الخلال  يحمل الكراهة من  أحمد  على الأفعال المذمومة ، لا على القول بعينه . وروي عن  أحمد  ، أنه سمع عند ابنه  صالح  قوالا ، فلم ينكر عليه ، وقال له  صالح    : يا أبت ، أليس كنت تكره هذا ؟ فقال : إنه قيل لي : إنهم يستعملون المنكر . 
وممن ذهب إلى إباحته من غير كراهة ،  سعد بن إبراهيم  ، وكثير من أهل المدينة  ، والعنبري    ; لما روي عن  عائشة  رضي الله عنها قالت : { كانت عندي جاريتان تغنيان ، فدخل أبو بكر  ، فقال : مزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : دعهما ، فإنها أيام عيد   } . متفق عليه . وعن  عمر  رضي الله عنه أنه قال : الغناء زاد الراكب . واختار  القاضي  أنه مكروه غير محرم . وهو قول  الشافعي  ، قال : هو من اللهو المكروه . وقال  أحمد    : الغناء ينبت النفاق في القلب ، لا يعجبني . 
 [ ص: 175 ] وذهب آخرون من أصحابنا إلى تحريمه . قال  أحمد    : في من مات وخلف ولدا يتيما ، وجارية مغنية ، فاحتاج الصبي إلى بيعها ، تباع ساذجة . قيل له : إنها تساوي مغنية ثلاثين ألفا ، وتساوي ساذجة عشرين دينارا . قال : لا تباع إلا على أنها ساذجة . واحتجوا على تحريمه بما روي عن  ابن الحنفية  في قوله تعالى : { واجتنبوا قول الزور    } . قال : الغناء . وقال  ابن عباس  ،  وابن مسعود  ، في قوله : { ومن الناس من يشتري لهو الحديث    } ، قال : هو الغناء . وعن أبي أمامة  ، { أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن شراء المغنيات ، وبيعهن ، والتجارة فيهن ، وأكل أثمانهن حرام   } . أخرجه الترمذي  ، وقال : لا نعرفه إلا من حديث  علي بن يزيد  ، وقد تكلم فيه أهل العلم . 
وروى  ابن مسعود  ، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { الغناء ينبت النفاق في القلب   } . والصح أنه من قول  ابن مسعود    . وعلى كل حال ، من اتخذ الغناء صناعة ، يؤتي له ، ويأتي له ، أو اتخذ غلاما أو جارية مغنين ، يجمع عليهما الناس ، فلا شهادة له    ; لأن هذا عند من لم يحرمه سفه ودناءة وسقوط مروءة ، ومن حرمه فهو مع سفهه عاص . مصر متظاهر بفسوقه . وبهذا قال  الشافعي  ، وأصحاب الرأي . وإن كان لا ينسب نفسه إلى الغناء ، وإنما يترنم لنفسه ، ولا يغني للناس ، أو كان غلامه وجاريته إنما يغنيان له ، انبنى هذا على الخلاف فيه . 
فمن أباحه أو كرهه ، لم ترد شهادته ، ومن حرمه ، قال : إن داوم عليه ، ردت شهادته ، كسائر الصغائر ، وإن لم يداوم عليه ، لم ترد شهادته . وإن فعله من يعتقد حله  ، فقياس المذهب أنه لا ترد شهادته بما لا يشتهر به منه ، كسائر المختلف فيه من الفروع . ومن كان يغشى بيوت الغناء ، أو يغشاه المغنون للسماع متظاهرا بذلك ، وكثر منه ، ردت شهادته  ، في قولهم جميعا ; لأنه سفه ودناءة . وإن كان معتبرا به ، فهو كالمغني لنفسه ، على ما ذكر من التفصيل فيه . 
				
						
						
