( 8409 ) الفصل الثاني : أنها تقبل في الأموال ، وما يقصد به المال  ، بإجماع ، كما ذكر  أبو عبيد  ، ولا  [ ص: 197 ] تقبل في حد . وهذا قول  النخعي  ، والشعبي  ،  وأبي حنيفة  ، وأصحابه . وقال  مالك  ،  والشافعي  في قول ،  وأبو ثور    : تقبل في الحدود ، وكل حق ; لأن ذلك يثبت بشهادة الأصل ، فيثبت بالشهادة على الشهادة ، كالمال . 
ولنا ، أن الحدود مبنية على الستر ، والدرء بالشبهات ، والإسقاط بالرجوع عن الإقرار ، والشهادة على الشهادة فيها شبهة ; فإنها يتطرق إليها احتمال الغلط والسهو والكذب في شهود الفرع ، مع احتمال ذلك في شهود الأصل ، وهذا احتمال زائد ، لا يوجد في شهادة الأصل ، وهو معتبر ، بدليل أنها لا تقبل مع القدرة على شهود الأصل ، فوجب أن لا تقبل فيما يندرئ بالشبهات ، ولأنها إنما تقبل للحاجة ، ولا حاجة إليها في الحد ; لأن ستر صاحبه أولى من الشهادة عليه ، ولأنه لا نص فيها ، ولا يصح قياسها على الأموال ; لما بينهما من الفرق في الحاجة والتساهل فيها ، ولا يصح قياسها على شهادة الأصل ; لما ذكرنا من الفرق ، فبطل إثباتها . 
وظاهر كلام  أحمد  ، أنها لا تقبل في القصاص أيضا ، ولا حد القذف ; لأنه قال : إنما تجوز في الحقوق ، أما الدماء والحد فلا . وهذا قول  أبي حنيفة    . وقال  مالك  ،  والشافعي  ،  وأبو ثور    : تقبل . وهو ظاهر كلام  الخرقي    ; لقوله : في كل شيء إلا في الحدود . لأنه حق آدمي ، لا يسقط بالرجوع عن الإقرار به ، ولا يستحب ستره ، فأشبه الأموال . وذكر أصحابنا هذا رواية عن  أحمد    ; لأن ابن منصور  نقل أن  سفيان  قال : شهادة رجل مكان رجل في الطلاق جائزة . قال  أحمد    : ما أحسن ما قال . 
فجعله أصحابنا رواية في القصاص . وليس هذا برواية ; فإن الطلاق لا يشبه القصاص . والمذهب أنها لا تقبل فيه ; لأنه عقوبة بدنية ، تدرأ بالشبهات ، وتبنى على الإسقاط ، فأشبهت الحدود ، فأما ما عدا الحدود والقصاص والأموال ، كالنكاح والطلاق ، وسائر ما لا يثبت إلا بشاهدين ، فنص  أحمد  على قبولها في الطلاق والحقوق ، فيدل على قبولها في جميع هذه الحقوق . وهو قول  الخرقي    . وقال ابن حامد    : لا تقبل في النكاح . ونحوه قول أبي بكر    . فعلى قولهما ، لا تقبل إلا في المال ، وما يقصد به المال . 
وهو قول  أبي عبيد    ; لأنه حق لا يثبت إلا بشاهدين ، فأشبه حد القذف . ووجه الأول ، أنه حق لا يدرأ بالشبهات ، فيثبت بالشهادة على الشهادة ، كالمال ، وبهذا فارق الحدود . 
				
						
						
