ومن طريق عن ابن أبي شيبة عن محمد بن فضيل قال : رأيت يزيد بن أبي زياد يشرب عبد الرحمن بن أبي ليلى - نبيذ الجر بعد أن يسكن غليانه ضعيف . ومن طريق يزيد بن أبي زياد عن ابن أبي شيبة عن أبي خالد الأحمر عن الأعمش الحكم عن أنه كان يشرب الطلاء الشديد - وهذا يخرج على أنه لفيف جدا - فلو كانت حراما ما خفي ذلك على من سلف ؟ قال شريح : وهذا في غاية الفساد ; لأنهم يقولون بوضع الأيدي على الركب في الصلاة ، وقد خفي ذلك على أبو محمد [ أبدا ] . ويقولون : بأن يتيمم الجنب إذا لم يجد الماء ، وقد خفي ذلك على ابن مسعود ، عمر بن الخطاب . وقد خفي على وابن مسعود الأنصار قول النبي صلى الله عليه وسلم { } حتى ذكروا به - والأمر هنا يتسع ، وليس كل صاحب يحيط بجميع السنن . وقالوا أيضا : قد صح الإجماع على الأئمة من قريش ، ولا يكفر من [ ص: 193 ] لم يحرم ما سواها من الأنبذة المسكرة ؟ قال تكفير من لم يقل بتحريم الخمر : وهذا لا شيء لأنه لو وجدنا إنسانا غاب عنه تحريم الخمر فلم يبلغه لما كفرناه في إحلالها حتى يبلغ إليه الأمر ، فحينئذ إن أصر على استحلال مخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم كفر ، لا قبل ذلك . وكذلك مستحل النبيذ المسكر وكل ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم تحريمه لا يكفر من جهل ذلك ولم تقم عليه الحجة به - فإذا ثبت ذلك عنده ، وصح لديه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حرم ذلك فأصر على استحلال مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم فهو كافر ولا بد ، ولا يكفر جاهل أبدا حتى يبلغه الحكم من النبي صلى الله عليه وسلم فإذا بلغه وثبت عنده فحينئذ يكفر إن اعتقد مخالفته عليه السلام ، ويفسق إن عمل بخلافه غير معتقد لجواز ذلك . قال الله تعالى : { أبو محمد فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما } وقال تعالى : { لأنذركم به ومن بلغ } . قال : فسقط كل ما شغب به أهل هذه المقالة ، وأيضا : فإنه ليس في شيء مما أوردوا كله أوله عن آخره ولا لفظة واحدة موافقة لقولهم : أن الخمر المحرمة ليست إلا عصير العنب فقط دون نقيع الزبيب ، وكذلك أيضا ليس في شيء منه ولا كلمة واحدة موافقة لقول من قال : إن الخمر المحرمة ليست إلا نقيع الزبيب الذي لم يطبخ ، وعصير العنب إذا أسكر . فصح أنهما قولان فاسدان مبتدعان خارجان عن كل أثر ثبت أو لم يثبت وبالله تعالى التوفيق أبو محمد
. والقول الخامس : هو الذي روي عن عن طريق أبي حنيفة محمد بن رستم عن عن محمد بن الحسن عن أبي يوسف - وهو الذي ينصره المتأخرون من مقلديه - على أن ذلك التفسير لا يحفظ عن أبي حنيفة وإنما هو من آرائهم الخبيثة - والمحفوظ عن أبي حنيفة هو ما ذكره أبي حنيفة في الجامع الصغير في كلامه في العتق الذي بين كلامه في الكراهة وكلامه في الرهن قال محمد بن الحسن : أنا محمد يعقوب عن قال : الخمر قليلها وكثيرها حرام في كتاب الله ، والسكر عندنا حرام مكروه ونقيع [ ص: 194 ] الزبيب عندنا إذا اشتد وغلى عندنا حرام مكروه - والطلاء ما زاد على ما ذهب ثلثاه وبقي ثلثه فهو مكروه ، وما سوى ذلك من الأشربة فلا بأس به - وكان يكره دردي الخمر أن يشرب وأن تمتشط به المرأة ولا يحد من شربه إلا أن يسكر فإن سكر حد . هذا نص كلامهم هنالك ، ودردي الخمر هو العكر الذي يعقد منها في قاع الدن . وهو خمر بلا شك ، فاعجبوا لهذا الهوس وأما رواية أبي حنيفة محمد بن رستم عن فإنما هي - : قال محمد بن الحسن : قال محمد : الأنبذة كلها حلال إلا أربعة أشياء : الخمر ، والمطبوخ إذا لم يذهب ثلثاه وبقي ثلثه ، ونقيع التمر فإنه السكر ، ونقيع الزبيب . ولا خلاف عن أبو حنيفة في أن نقيع الدوشات عنده حلال وإن أسكر ، وكذلك نقيع الرب وإن أسكر - : والدوشات من التمر ، والرب من العنب . وقال أبي حنيفة : كل شراب من الأنبذة يزداد جودة على الترك فهو مكروه وإلا أجيز بيعه ووقته عشرة أيام ، فإذا بقي أكثر من عشرة أيام فهو مكروه ، فإن كان في عشرة أيام فأقل فلا بأس ، به - وهو قول أبو يوسف . هذا كلامهم في الأصل الكبير ، ثم رجع محمد بن الحسن إلى قول أبو يوسف ; . وقال أبي حنيفة : ما أسكر كثيره مما عدا الخمر أكرهه ولا أحرمه . فإن صلى إنسان وفي ثوبه منه أكثر من قدر الدرهم البغلي بطلت صلاته وأعادها أبدا فاعجبوا لهذه السخافات لئن كان تعاد منه الصلاة أبدا فهو نجس ، فكيف يبيح شرب النجس ؟ ولئن كان حلالا فلم تعاد الصلاة من الحلال ؟ ونعوذ بالله من الخذلان . قال محمد بن الحسن : فأول فساد هذه الأقوال أنها كلها أقوال ليس في القرآن شيء يوافقها ولا في شيء من السنن ، ولا في شيء من الروايات الضعيفة ، ولا عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا صحيح ولا غير صحيح ، ولا عن أحد من التابعين ، ولا عن أحد من خلق الله تعالى قبل أبو محمد ، ولا أحد قبل أبي حنيفة في تحديده عشرة الأيام فيا لعظيم مصيبة هؤلاء القوم في أنفسهم إذ يشرعون الشرائع في الإيجاب والتحريم والتحليل من ذوات أنفسهم ثم بأسخف قول وأبعده عن المعقول ؟ [ ص: 195 ] قال أبي يوسف : وبقي مما موه به مقلدو علي أشياء نوردها إن شاء الله تعالى ونذكر بعون الله تعالى فسادها ، ثم نعقب بالسنن الثابتة في هذه المسألة عن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم . قال أبي حنيفة : قالوا : قال الله تعالى : { علي ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا } . وقال تعالى : { كلوا واشربوا } . فاقتضى هذا إباحة كل مأكول ومشروب فلا يحرم بعد هذا إلا ما أجمع عليه أو جاء من مجيء التواتر ، لأنه زائد على ما في القرآن . قال : من هنا بدءوا بالتناقض وما خالفناهم قط لا نحن ولا أحد من المسلمين في أنه لم يحرم الخمر ، ولا الخنزير ، ولا الميتة حتى نزل تحريم كل ذلك ، فلما نزل التحريم حرم ما نزل تحريمه وهم أول من حرم نبيذ ثمر النخيل بخبر من أخبار الآحاد غير مجمع عليه ولا منقول نقل التواتر . ثم قالوا : صح عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبو محمد } فالخمر لا تكون إلا منهما هذا كل ما موهوا به ، ولا حجة لهم فيه بل هو حجة عليهم قاطعة . وهذا خبر رويناه من طرق كلها ترجع إلى الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة الأوزاعي ، قالا جميعا : نا ويحيى بن أبي كثير أبو كثير أنه سمع يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { أبا هريرة } . الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة أبو كثير اسمه يزيد بن عبد الرحمن . قال : فافترقوا في خلافه على وجهين - : فأما علي فإنه قال : ليس ذكره عليه السلام النخلة مع العنبة بموجب أن يكون الخمر من النخلة بل الخمر من العنبة فقط قال : وهذا مثل قول الله تعالى : { الطحاوي مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان فبأي آلاء ربكما تكذبان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان } . [ ص: 196 ] قال : فإنما يخرج اللؤلؤ والمرجان من أحدهما - : قال : ومثل قوله تعالى : { يا معشر الجن والإنس ألم يأتكم رسل منكم } قال : وإنما الرسل من الإنس لا من الجن . قال : صدق الله وكذب أبو محمد ، وكذب من أخبره بما ذكر بل اللؤلؤ والمرجان خارجان من البحرين اللذين بينهما البرزخ فلا يبغيان ، ولقد جاءت الجن رسل منهم بيقين ، لأنهم بنص القرآن متعبدون موعودون بالجنة والنار . وقد صح ما روينا من طريق الطحاوي نا مسلم بن الحجاج نا قتيبة - عن إسماعيل هو ابن جعفر - عن أبيه عن العلاء هو ابن عبد الرحمن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة فضلت على الأنبياء بست } فذكر منها { } . ومن طريق وأرسلت إلى الخلق كافة نا البخاري محمد بن سنان العوفي نا أنا هشيم نا سيار أنا يزيد هو ابن صهيب الفقير أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : { جابر بن عبد الله } فذكر فيها { أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي } . وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة