ومن طريق الحجاج بن المنهال نا عن حماد بن سلمة ثابت البناني وحميد كليهما عن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أنس أعطيت أربعا لم يعطها نبي قبلي ، أرسلت إلى كل أحمر وأسود } وذكر باقي الخبر . فصح بنقل التواتر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث وحده إلى الجن والإنس وأنه لم يبعث نبي قبله قط إلا إلى قومه خاصة . وقال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون } . وقال تعالى : { وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا } . فصح يقينا أنهم مذ خلقوا مأمورون بعبادة الله تعالى . وصح بما ذكرنا من السنن القاطعة أنه لم يبعث إليهم نبي من الإنس قبل محمد عليه السلام ، والجن ليسوا قوم أحد من الإنس . [ ص: 197 ] فصح يقينا أنهم بعث إليهم أنبياء منهم ، وبطل تخليط بالباطل الذي رام به دفع الحق . وقال أيضا : وهذا من حديث الطحاوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { عبادة بن الصامت } قال : وإنما الكفارة والعفو فيما دون الشرك لا في الشرك ، وقد ذكر مع سائر ذلك . قال بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا ولا تسرقوا ولا تزنوا ولا تقتلوا أولادكم ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم ، ولا تعصوا في معروف ، فمن وفى منكم فأجره على الله ، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له ، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه : وهذا جهل منه شديد لأن أبو محمد - : أحدها : كفارة عبادة بغير ذنب أصلا قال تعالى : { الكفارات في القرآن ، والسنن تنقسم أربعة أقسام ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم } . وقد يكون الحنث أفضل من التمادي على اليمين وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } أو كما قال عليه السلام ، فقد نص عليه السلام [ على ] أن الحنث وفيه الكفارة قد يكون خيرا من الوفاء باليمين . والثاني : كفارة بلا ذنب باق لكن لذنب قد تقدم غفران الله تعالى له كالحد يقام على التائب من الزنى . والثالث : كفارة لذنب لم يتب منه صاحبه فترفعه الكفارة كحد الزاني والسارق اللذين لم يتوبا . والرابع : كفارة على ذنب لم يتب منه صاحبه ولا رفعته الكفارة ولا حطته كالعائد إلى قتل الصيد في إني لا أحلف على يمين فأرى غيرها خيرا منها إلا أتيت الذي هو خير وكفرت الحرم عمدا مرة بعد مرة - قال تعالى : { فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفارة طعام مساكين أو عدل ذلك صياما ليذوق وبال أمره عفا الله عما سلف ومن عاد فينتقم الله منه } . [ ص: 198 ] فهذه نقمة متوعد بها مع وجوب الكفارة عليه ، فالكفارة المذكورة في حديث على عمومها إما مسقطة للذنب وعقوبته في الآخرة في الزنى والقتل ، والبهتان المفترى ، والمعصية في المعروف ، وإما غير مسقطة للذنب ، وعقوبته في الآخرة ، وهي قتل المشرك على شركه . وأما قوله عليه السلام : { عبادة } فليت شعري كيف خفي عليه أن هذا على عمومه ؟ وأن الملائكة والرسل ، والأنبياء ، والصالحين ، والفساق والكفار ، وإبليس ، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه وفرعون ، وأبا جهل ، وأبا لهب ، كلهم في مشيئة الله تعالى يفعل فيهم ما يشاء من عقوبة أو عفو ، إلا أنه تعالى قد بين أنه يعاقب الكفار ولا بد ، وإبليس ، وأبا لهب ، وأبا جهل ، وفرعون ، ولا بد - ويرضى عن الملائكة والرسل ، والأنبياء ، والصالحين ، ولا بد ، وكلهم في المشيئة ولا يخرج شيء من ذلك عن مشيئة الله تعالى ، من عاقبه الله تعالى فقد شاء أن يعاقبه ، ومن أدخله الجنة فقد شاء أن يدخله الجنة . أما علم الجاهل أن الله تعالى لو شاء أن يعذب الملائكة ، والرسل ، وينعم الكفار لما منعه من ذلك مانع ، لكنه تعالى لم يشأ ذلك . أما سمع قوله تعالى { يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء } وقوله تعالى : { إن الله يغفر الذنوب جميعا } ثم استثنى الشرك جملة أبدية ، ومن رجحت كبائره وسيئاته حتى يخرجوا بالشفاعة . أما عقل أن قوله عليه السلام : { } ليس فيه إيجاب لأحدهما ولا بد ، وأن ذلك مردود إلى سائر النصوص . فهل في الضلال أشنع ممن جعل قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم { إن شاء عاقبه وإن شاء عفا عنه } على غير الحقيقة ؟ بل على التدليس في الدين وإلا فأي وجه لأن يريد أن يبين علينا ما حرم علينا من أن الخمر من العنب فقط فيقحم في ذلك النخلة ، وهي لا تكون الخمر منها ؟ هل هذا إلا فعل الفساق والملغزين في الدين ، العابثين في كلامهم ؟ فسحقا [ ص: 199 ] فسحقا لكل هوى يحمل على أن ينسب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل مما يترفع عنه كل مجد لا يرضى بالكذب ، وسيردون ونرد ، ويعلمون ونعلم ، والله لتطولن الندامة على مثل هذه العظائم - والحمد لله على هداه لنا كثيرا { الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله } . وهل بين ما حمل عليه قوله عليه السلام { الطحاوي } من أنه إنما أراد العنبة فقط لا النخلة فذكر النخلة ؟ لا ندري لماذا فرق بينه وبين قول فاسق يقول : الكذب من هذين الرجلين الخمر من هاتين الشجرتين النخلة والعنبة محمد ومسيلمة ؟ فتأملوا ما حمله عليه ، وهذا القول تجدوه سواء سواء فتحكم الطحاوي بالباطل في هذا الخبر كما ترون وتحكم أصحابه فيه أيضا بباطلين آخرين - : أحدهما : أنهم قالوا : ليس الخمر من غيرهما ، وليس هذا في الخبر أصلا ; لأن النبي صلى الله عليه وسلم لم يقل : ليس الخمر إلا من هاتين الشجرتين ، إنما قال { الطحاوي } فأوجب أن الخمر منهما ، ولم يمنع أن تكون الخمر أيضا من غيرهما إن ورد بذلك نص صحيح ، بل قد جاء نص بذلك - : كما روينا من طريق الخمر من هاتين الشجرتين أبي داود نا مالك بن عبد الواحد المسمعي نا - [ قال ] قرأت على المعتمر هو ابن سليمان الفضيل بن ميسرة عن أبي حريز قال : إن الشعبي حدثه أن حدثه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : { النعمان بن بشير } - : إن الخمر من العصير ، والزبيب ، والتمر ، والحنطة ، والشعير ، والذرة ، وإني أنهاكم عن كل مسكر أبو حريز هو عبد الله بن الحسين - قاضي سجستان روى عن عكرمة ، والشعبي ، وروى عنه الفضل بن ميسرة وغيره . فهذا نص كنصهم وزائد عليه ما لا يحل تركه . وقد صح عنه عليه السلام أنه قال : { } . والثاني : أنهم قالوا : ليس ما طبخ من عصير العنب ونبيذ ثمر النخل إذا ذهب ثلثاه خمرا وإن أسكر ، فتحكموا في الخبر الذي أوهموا أنهم تعلقوا به تحكما ظاهر الفساد بلا برهان ، وبطل تعلقهم به إذ خالفوا ما فيه بغير نص آخر ، وخرج عن أن يكون لهم في [ ص: 200 ] شيء من جميع ذلك متعلق أو من الناس سلف - وبالله تعالى التوفيق كل مسكر خمر
. وموهوا في إباحة ما طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه من عصير العنب أسكر بعد ذلك أو لم يسكر بروايات - : منها : ما روينا من طرق ثابتة إلى إبراهيم عن قال : كتب سويد بن غفلة إلى عماله أن يرزقوا الناس الطلاء ذهب ثلثاه وبقي ثلثه . وأخرى من طريق عمر الشعبي عن حيان الأسدي أنه رأى قد شرب من العصير ما طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه وسقاه من حوله . ومن طريق عمارا أن قتادة ، أبا عبيدة بن الجراح ، كانا يشربان الطلاء ما طبخ حتى ذهب ثلثاه . وعن ومعاذ بن جبل ، أبي الدرداء مثل ذلك . وعن وأبي موسى : أنه كان يرزق الناس طلاء يقع فيه الذباب فلا يستطيع أن يخرج منه . وعن جماعة من التابعين مثل هذا . واحتجوا في هذا بخبر عن علي في مقاسمة ابن سيرين نوح عليه السلام إبليس الزرجون : لإبليس الثلثان ، ولنوح الثلث . ومن طريق مثل هذا . قال أنس بن مالك : لم يدرك أبو محمد ، ولا أنس ابن سيرين نوحا بلا شك ، ولا ندري ممن سمعاه ، ولو سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم ما استحل كتمان اسمه - فسقط الاحتجاج بهذا . ولو صح هذا لكان متى أهرق من العصير ثلثاه حل باقيه فلا فرق بين ذهاب ثلثيه بالطبخ وبين ذهابهما بالهرق وإنما المراعى السكر فقط كما حد النبي صلى الله عليه وسلم . قال أنس : وهذا لا حجة لهم فيه - : أول ذلك : أنه لا حجة في أحد دون رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا يحد الحدود في الديانة بالتحليل والتحريم أحد سواه . والثاني : أنه قد جاء عن طائفة من الصحابة غير هذا كما روينا من طريق أبو محمد : نا ابن أبي شيبة ، محمد بن فضيل ، وعبد الرحيم بن سليمان ، ووكيع ، قال [ ص: 201 ] ويحيى بن يمان ابن فضيل : عن حبيب بن أبي عمرة عن عن عدي بن ثابت ، وقال البراء بن عازب عبد الرحيم : عن عبيدة عن خيثمة عن ، قال أنس بن مالك : عن يحيى بن يمان أشعث عن جعفر بن أبزى ، وقال : عن وكيع طلحة بن جبر ، وجرير بن أيوب قال : رأيت طلحة أبا جحيفة السوائي ، وقال جرير : عن أبي زرعة بن عمرو بن جرير أن ثم اتفق عن جرير بن عبد الله البجلي ، البراء وأبي جحيفة ، وجرير بن عبد الله وابن أبزى أنهم كانوا يشربون الطلاء على النصف . وبه إلى عن ابن أبي شيبة ابن فضيل ، ، ووكيع قال وعبد الرحيم بن سليمان ابن فضيل : عن دينار الأعرج عن : أنه شرب الطلاء على النصف . وقال سعيد بن جبير ابن فضيل أيضا : عن عن الأعمش يحيى أنه شرب الطلاء على النصف وقال عن وكيع عن الأعمش منذر الثوري عن : أنه كان يشرب الطلاء على النصف . وقال ابن الحنفية عن الأعمش الحكم : إن كان يشرب الطلاء على النصف . وقال شريحا : وكان الأعمش يشربه على النصف . وصح أيضا عن إبراهيم - وروى عن قيس بن أبي حازم الشعبي ، وأبي عبيدة ; فالعجب لقلة حياء هؤلاء القوم ما الذي جعل قول بعض الصحابة أولى من قول بعض ؟ والثالث : قد خالفوا ، عمر - : روينا من طريق وعليا أن قتادة قال : لأن أشرب قمقما محمى أحرق ما أحرق وأبقى ما أبقى أحب إلي من أن أشرب نبيذ الجر . فإن قالوا : لم يدرك عمر قتادة ؟ قلنا : ولا أدرك عمر ، ولا معاذا أبا عبيدة . ومن طريق نا سعيد بن منصور المعتمر بن سليمان التيمي عن أبيه أن قال : إن أبا إسحاق السبيعي لما بلغه في نبيذ شربه أنه نبيذ جر تقيأه . الرابع : أنه ليس في شيء مما ذكرنا أنه كان مسكرا بل قد صح أنه لم يكن مسكرا كما ذكرنا في خبر علي أن الذباب كان يقع فيه فلا يستطيع الخروج منه . ورويناه من طريق عليا حصين عن عن ابن أبي ليلى الشعبي : أن كتب إلى [ ص: 202 ] عمر أني أتيت بشراب قد طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه فذهب منه شيطانه وريح جنونه وبقي طيبه وحلاله فمر المسلمين قبلك فليتوسعوا به في شرابهم ، فبطل تعلقهم بشيء من ذلك ، والعجب أنهم يحتجون في إبطال تحريم النبي صلى الله عليه وسلم التمر ، والزبيب مخلوطين في النبيذ بأن قالوا : لو شرب هذا ثم هذا أكان يحرم ذلك عليه ؟ فلا فرق بين خلطهما قبل شربهما وبين خلطهما في جوفه ؟ فقلنا : لا يحل أن يعارض الله تعالى ولا النبي صلى الله عليه وسلم بمثل هذا ، لكن تعارضون أنتم في بدعتكم هذه المضلة بأن نقول لكم : أرأيتم العصير إذا أسكر قبل أن يطبخ ، ثم طبخ حتى ذهب ثلثاه وبقي ثلثه أيحل عندكم ؟ فمن قولهم : لا ، فنقول لهم : فما الفرق بين طبخه بعد أن يسكر وبين طبخه قبل أن يسكر ، والسكر حاصل فيه في كلا الوجهين ؟ فإذا أبطل الطبخ تحريمه إذا أسكر بعده كذلك يبطل تحريمه إذا أسكر قبله وهذا أصح في المعارضة . والوجه الثالث : أنه قد صح عن عمار بن ياسر وغير عمر أنهم لم يراعوا ثلثين ولا ثلثا - : كما روينا من طريق عمر عن عبد الرزاق عن معمر الزهري عن عن القاسم بن محمد بن أبي بكر الصديق قال : قدمنا أسلم مولى عمر الجابية مع فأتينا بالطلاء وهو مثل عقد الرب إنما يخاض بالمخوض خوضا فقال عمر : إن في هذا لشرابا ما انتهى إليه . ومن طريق عمر بن الخطاب أحمد بن شعيب أنا أنا سويد بن نصر - عن عبد الله هو ابن المبارك قراءة أخبرني ابن جريج قال : سمعت عطاء يقول : والله ما تحل النار شيئا ولا تحرمه قال : ثم فسر لي قوله : لا تحل النار شيئا لقولهم في الطلاء ولا تحرمه . قال ابن عباس : وهذا هو الحق الذي لا يصح عن أحد من الصحابة سواه - وصح عن أبو محمد أنه سئل عن الطلاء ؟ فقال : أرأيت الذي مثل العسل تأكله بالخبز وتصب عليه الماء فتشربه ؟ عليك به ، ولا تقرب ما دونه ولا تشتره ، ولا تسقه ، ولا تبعه ، ولا تستعن بثمنه - فإنما راعى طاوس ، عمر ، وعلي ما لا يسكر فأحلوه ، وما يسكر فحرموه . وقد صح عندنا أن وابن عباس بجبال رية أعنابا إذا طبخ عصيرها فنقص منه الربع صار ربا خائرا لا يسكر بعدها كالعسل فهذا حلال بلا شك . وشاهدنا بالجزائر أعنابا رملية تطبخ حتى تذهب ثلاثة أرباعها وهي بعد خمر [ ص: 203 ] مسكرة كما كانت فهذا حرام بلا شك - وبالله تعالى التوفيق
. فإذ قد بطلت هذه الأقوال كلها بالبراهين التي أوردنا وخرج قول وأصحابه عن أن يكون لهم متعلق بشيء من النصوص ولا برواية سقيمة ، لا في مسند ، ولا في مرسل ، ولا عن صاحب ، ولا عن تابع ، ولا كان لهم سلف من الأمة يعرف أصلا قبلهم فلنأت بعون الله تعالى بالبراهين على صحة قولنا في ذلك - : روينا من طريق أبي حنيفة ، مالك كلاهما عن وسفيان بن عيينة الزهري عن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن بن عوف أم المؤمنين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { عائشة } هذا لفظ : كل شراب أسكر فهو حرام سفيان - ولفظ { مالك } . ومن طريق سئل عن البتع ؟ فقال : كل شراب أسكر فهو حرام عن عبد الله بن المبارك عن معمر الزهري عن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن أم المؤمنين قالت { عائشة } والبتع من العسل فلو لم يكن إلا هذا الخبر في صحة إسناده وقد نص عليه السلام إذ سئل عن شراب العسل أنه إذا أسكر حرام ، وهذا خلاف قول هؤلاء المحرومين إن شراب العسل المسكر حلال والسكر منه حلال - نعوذ بالله العظيم من مثل ضلالهم . سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن البتع ؟ فقال : كل شراب أسكر فهو حرام