1100 - مسألة : وحد الإسكار الذي يحرم به الشراب  وينتقل به من التحليل إلى التحريم هو أن يبدأ فيه الغليان ولو بحبابة واحدة فأكثر ، ويتولد من شربه والإكثار منه على المرء في الأغلب أن يدخل الفساد في تمييزه ، ويخلط في كلامه بما يعقل وبما لا يعقل ، ولا يجري كلامه على نظام كلام التمييز ، فإذا بلغ المرء من الناس من الإكثار من الشراب إلى هذه الحال فذلك الشراب مسكر حرام ، سكر منه كل من شربه سواء أسكر أو لم يسكر ، طبخ أو لم يطبخ ، ذهب بالطبخ أكثره أو لم يذهب ، وذلك المرء سكران ، وإذا بطلت هذه الصفة من الشراب بعد أن كانت فيه موجودة فصار لا يسكر أحد من الناس من الإكثار منه  ، فهو حلال ، خل لا خمر . 
برهان ذلك - : قول الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون    } فسمى الله تعالى من لا يدري ما يقول سكران ، وإن كان قد يفهم بعض الأمر . 
ألا ترى أنه قد يقوم إلى الصلاة في تلك الحال فنهاه الله تعالى عن ذلك  [ ص: 213 ] والمجنون مثله سواء سواء قد يفهم المجنون في حال تخليطه كثيرا ولا يخرجه ذلك عن أن يسمى مجنونا في اللغة وأحكام الشريعة . 
ومن طريق أحمد بن شعيب   أنا سوار بن عبد الله بن سوار بن عبد الله هو العنبري -  نا  عبد الوهاب بن عبد المجيد هو الثقفي -  عن  هشام هو ابن حسان    - عن  محمد بن سيرين  عن  أبي هريرة  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { انتبذ في سقائك وأوكه واشربه حلوا   } 
قال  أبو محمد    : وهذا قولنا ; لأنه إذا بدأ يغلي حدث في طعمه تغيير عن الحلاوة ، وهو قول جماعة من السلف . كما روينا من طريق  سعيد بن منصور  نا إسماعيل بن إبراهيم  نا  هشام هو الدستوائي  عن  حماد بن أبي سليمان  عن  إبراهيم النخعي  ليس بشرب العصير وبيعه بأس حتى يغلي . 
ومن طريق  ابن المبارك  عن هشام بن عائذ الأسدي  قال : سألت  إبراهيم النخعي  عن العصير ؟ فقال : اشربه ما لم يتغير . 
ومن طريق  ابن المبارك  عن عبد الملك  عن  عطاء  في العصير قال : اشربه حتى يغلي 
ومن طريق  سعيد بن منصور  نا إسماعيل بن إبراهيم هو ابن علية  أخبرني  محمد بن إسحاق  عن يزيد بن قسيط  قال  سعيد بن المسيب    : ليس بشراب العصير بأس ما لم يزبد فإذا أزبد فاجتنبوه - وهو قول  أبي يوسف    . 
ورويناه من طريق أحمد بن شعيب   أنا سويد بن نصير  نا  عبد الله بن المبارك  عن أبي يعفور السلمي  عن أبي ثابت الثعلبي  أنه سمع  ابن عباس  يقول في العصير : اشربه ما دام طريا . 
وقد اختلف الناس في هذا فقال  أبو يوسف  ،  ومحمد بن الحسن  في العصير هكذا ، وفي ما عدا العصير إذا تجاوز عشرة أيام  فهو حرام - وهذا حد في غاية الفساد ، لا يعضده قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قياس ، ولا رأي سديد ، ولا قول أحد نعلمه قبلهما .  [ ص: 214 ] 
وقالت طائفة - : كما روينا من طريق  سعيد بن منصور  نا سويد بن عبد العزيز الدمشقي  نا ثابت بن عجلان  عن  سليم بن عامر  قال : سمعت  عمار بن ياسر  يقول : اشرب العصير ثلاثة أيام ما لم يغل . 
ومن طريق  عبد الرزاق  عن  سفيان الثوري  عن عبد الله بن مرة  عن  ابن عمر    : اشربوا العصير ما لم يأخذه شيطانه ، قال : ومتى يأخذه شيطانه ؟ قال : بعد ثلاث ، أو قال : في ثلاث . 
ومن طريق  عبد الرزاق  عن  ابن جريج  أنا عبد الرحمن بن مينا  أنه سمع القاسم بن محمد  يقول : نهى أن يشرب النبيذ بعد ثلاث . 
ومن طريق  سعيد بن منصور  نا إسماعيل بن إبراهيم  نا  داود بن أبي هند  عن الشعبي  قال : لا بأس بشرب الخمر ما لم يغل - يعني العصير . 
وحدت طائفة ذلك بيوم واحد . كما روينا من طريق  عبد الرزاق  عن  معمر  عن رجل عن  سعيد بن جبير  كان يقول : إذا فضخته نهارا فأمسى فلا تقربه ، وإذا فضخته ليلا فأصبح ، فلا تقربه 
قال  أبو محمد    : احتج من حد ذلك بثلاث : بالخبر الذي روينا من طريق  الأعمش  عن ابن أبي عمر هو يحيى البهراني  عن  ابن عباس  قال : { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينقع له الزبيب فيشربه اليوم والغد وبعد الغد إلى مساء الثالثة فإذا أمسى أمر به أن يهراق أو يسقى   } . 
واحتج من حد ذلك بيوم واحد . رويناه من طريق أبي داود  نا عيسى بن محمد أبو عمير الرملي  نا  ضمرة  عن السيباني    { عن عبد الله بن الديلمي  عن أبيه أنهم سألوا النبي صلى الله عليه وسلم عن أعنابهم فقال : زببوها . قلنا : ما نصنع بالزبيب ؟ قال : انبذوه على غدائكم واشربوه على عشائكم وانبذوه على عشائكم واشربوه على غدائكم وانبذوه في الشنان ولا تنبذوه في القلل فإنه إذا تأخر عن عصيره صار خلا   } . 
هذا السيباني بالسين غير منقوطة هو يحيى بن أبي عمرو -  ومن طريق أبي داود  نا  محمد بن المثنى  نا  عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي  عن  يونس بن عبيد  عن  الحسن البصري  عن أمه  عائشة  أم المؤمنين قالت : { كان ينبذ لرسول  [ ص: 215 ] الله صلى الله عليه وسلم في سقاء يوكأ أعلاه وله عزلاء ينبذ غدوة فيشربه عشاء ، وينبذ عشاء فيشربه غدوة   } . 
قال  أبو محمد    : هذا الخبر ، وخبر  ابن عباس  صحيحان ، وليسا حدا فيما يحرم من ذلك ; لأنهما مختلفان ، وليس أحدهما بأولى من الآخر ، إنما هذا على قدر البلاد والآنية فتجد بلادا باردة لا يستحيل فيها ماء الزبيب إلى ابتداء الحلاوة إلا بعد جمعة أو أكثر ، وآنية غير ضارية كذلك ، وتجد بلادا حارة وآنية ضارية يتم فيها النبيذ من يومه ، والحكم في ذلك لقوله عليه السلام الذي ذكرنا : { واشربه حلوا وكل ما أسكر حرام   } فقط . 
وقال  أبو حنيفة    : إذا غلى وقذف بالزبد فهو حينئذ حرام - وهذا قول بلا دليل - وقال آخرون : إذا انتهى غليانه وابتدأ بأن يقل غليانه فحينئذ يحرم . 
وقال آخرون إذن إذا سكن غليانه فحينئذ يحرم - وهذا كله قول بلا برهان . 
وأما حد سكر الإنسان  فإننا روينا من طريق  أحمد بن صالح  أنه سئل عن السكران ؟ فقال : أنا آخذ فيه بما رواه  ابن جريج  عن عمرو بن دينار  عن يعلى بن منبه  عن أبيه سألت  عمر بن الخطاب  عن حد السكران ؟ فقال : هو الذي إذا استقرئ سورة لم يقرأها ، وإذا خلطت ثوبه مع ثياب لم يخرجه . 
قال  أبو محمد    : وهو نحو قولنا في أن لا يدري ما يقول ، ولا يراعي تمييز ثوبه ، وقال  أبو حنيفة  ليس سكران إلا حتى لا يميز الأرض من السماء ، وأباح كل سكر دون هذا - فاعجبوا يرحمنا الله وإياكم ؟ 
				
						
						
