[ ص: 396 ] كتاب الكفالة 1230 - مسألة :
الضمان ، وهي الزعامة ، وهي القبالة ، وهي الحمالة . الكفالة هي
فمن كان له على آخر حق مال من بيع ، أو من غير بيع من أي وجه كان - حالا أو إلى أجل - سواء كان الذي عليه الحق حيا أو ميتا فضمن له ذلك الحق إنسان لا شيء عليه للمضمون عنه بطيب نفسه وطيب نفس الذي له الحق : فقد سقط ذلك الحق عن الذي كان عليه وانتقل إلى الضامن ولزمه بكل حال - ولا يجوز للمضمون له أن يرجع على المضمون عنه ، ولا على ورثته أبدا بشيء من ذلك الحق - انتصف أو لم ينتصف - ولا بحال من الأحوال - ولا يرجع الضامن على المضمون عنه ، ولا على ورثته أبدا بشيء مما ضمن عنه أصلا - سواء رغب إليه في أن يضمنه عنه أو لم يرغب إليه في ذلك - إلا في وجه واحد ، وهو : أن يقول الذي عليه الحق : اضمن عني ما لهذا علي فإذا أديت عني فهو دين لك علي : فهاهنا يرجع عليه بما أدى عنه لأنه استقرضه ما أدى عنه : فهو قرض صحيح .
أما قولنا : إن الكفالة هي الضمان ، والحمالة ، والزعامة ، والقبالة - والضامن : هو القبيل ، والكفيل ، والزعيم ، والحميل ، فاللغة ، والديانة لا خلاف فيهما في ذلك .
وأما عموم ، فلأنه ليس فيه بيع أصلا ، وإنما هو نقل حق فقط . جواز الضمان في كل حق من بيع أو غيره
وأما ، فلما روينا من طريق جواز الضمان بغير رغبة المضمون عنه أبي داود نا مسدد بن مسرة نا نا يحيى بن سعيد القطان قال : حدثني ابن أبي ذئب سعيد بن أبي سعيد المقبري [ ص: 397 ] قال : سمعت أبا شريح الكعبي يقول قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { خزاعة قتلتم هذا القتيل من هذيل وإني عاقله } وذكر باقي الخبر ، فضمن النبي صلى الله عليه وسلم عنهم الدية بغير رغبتهم في ذلك . إنكم يا معشر
وقال : لا يجوز الضمان إلا بمحضر الذي له الحق ، إلا في موضع واحد ، وهو المريض يقول لورثته : أيكم يضمن عني دين فلان علي فيضمنه أحدهم - فيجوز بغير محضر الطالب . أبو حنيفة
وهذا كلام في غاية الفساد ، لأنه دعوى بلا برهان أصلا .
واحتج له بعض المبتلين بتقليده أنه عقد كالنكاح والبيع ، فلا يصح إلا بمحضرهما جميعا . قال : وهذا قياس ، والقياس كله فاسد - ثم إنه لو صح لكان هذا منه عين الفساد . أبو محمد
أول ذلك - : أنهم ينتقضون من قرب فيجيزون نكاح الصغيرة بغير محضرها ، ويجيزون الضمان لدين المريض بغير محضر صاحب الحق .
ثم إن الضمان ليس عقدا على المضمون له ، وإنما هو على الضامن وحده وإنما للمضمون له إنصافه من حقه فقط ، فإن أنصف في مثل هذا ، وإلا فلا يلزمه ما لم يرض به ، وهو باق على حقه كما كان - وراموا الفرق بين مسألة المريض وغيرها بأن قالوا : إن الدين قد تعين في مال المريض .
قال : وقد كذبوا ما تعين قط في ماله إلا بعد موته ، علي لا يجيز ضمان دين على الميت إلا بأن يترك وفاء - فظهر فساد قولهم جملة . واحتجوا في ذلك بأن الدين قد هلك - وأجازوا الضمان على الحق المفلس - والدين قد هلك - وهذا تناقض . وأبو حنيفة
فإن قالوا : قد يكسب المفلس مالا ؟ قلنا : وقد يطرأ للميت مال لم يكن عرف حين موته - وهذا منهم خلاف لرسول الله صلى الله عليه وسلم مجرد . [ ص: 398 ] ومن قال - بقولنا في : الضمان عن الميت الذي لا يترك وفاء ، مالك ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن ، والشافعي . وأبو سليمان
روينا من طريق نا البخاري نا مكي بن إبراهيم يزيد بن أبي عبيد عن [ رضي الله عنه ] قال : { سلمة بن الأكوع : صل عليه يا رسول الله وعلي دينه ؟ فصلى عليه أبو قتادة } . ففي هذا الخبر جواز كنا جلوسا عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ أتي بجنازة ، فقالوا : صل عليها ؟ فقال : هل ترك شيئا ؟ قالوا : لا ، قال : فهل عليه دين ؟ قالوا : نعم ، ثلاثة دنانير ، قال : صلوا على صاحبكم ، فقال ، بخلاف رأي ضمان دين الميت الذي لم يترك وفاء بدينه ، وفيه : أن الدين يسقط بالضمان جملة ، لأنه لو لم يسقط عن الميت وينتقل إلى ذمة أبي حنيفة لما كانت الحال إلا واحدة ، وامتناعه عليه السلام من الصلاة عليه قبل ضمان أبي قتادة لدينه ، ثم صلاته عليه السلام عليه بعد ضمان أبي قتادة : برهان صحيح على أن الحال الثانية غير الأولى وأن الدين الذي لا يترك به وفاء قد بطل وسقط بضمان الضامن ، ولزم ذمة الضامن بقول أبي قتادة الذي أقره عليه النبي صلى الله عليه وسلم على دينه . فصح أن الدين على الضامن بعد لا على المضمون عنه . أبي قتادة
وفيه أيضا : جواز ، وإذ قد سقط الدين بالضمان كما ذكرنا فلا يجوز رجوعه بعد سقوطه بالدعوى الكاذبة بغير نص ولا إجماع . الضمان بغير محضر الطالب الذي له الحق
وأيضا : الخبر الذي روينا من طريق نا مسلم يحيى بن يحيى أنا حماد بن يزيد عن حدثني هارون بن رئاب كنانة بن نعيم العدوي عن قبيصة بن المخارق الهلالي : { } وذكر باقي الخبر - فعم عليه السلام إباحة تحمل الحمالة عموما بكل حال ، وبالله تعالى التوفيق . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : يا قبيصة إن المسألة لا تحل إلا لأحد ثلاثة رجل تحمل حمالة فحلت له المسألة حتى يصيبها ثم يمسك
وأما قولنا : إنه إن لم يرض المضمون له بالضمان لم يلزمه إلا بأن يوفيه أيضا من حقه فليس له حينئذ إلا أخذه منه أو تركه جملة ، ولا طلب له على المضمون عنه بعدها ، فلأنه صاحب الحق ، ولم يأت نص بلزوم ترك طلب غريمه ، بل الضمان حينئذ مطل [ ص: 399 ] له ، وقد قال عليه السلام : { } وأمر عليه السلام أن يعطى كل ذي حق حقه ، فإن أنصف فقد أعطي حقه ، ومن أعطي حقه فلا حق له سواه . مطل الغني ظلم
فإن قيل : فأنتم أصحاب اتباع للآثار فمن أين أجزتم الصلاة على من مات وعليه دين لا وفاء له به ؟ قلنا : سبحان الله أو ليس في قوله عليه السلام لهم : { } بيان في أنه عليه السلام المخصوص بهذا الحكم وحده ، لا أحد من المسلمين سواه ، لا الإمام ولا غيره ؟ فكيف وقد روينا من طريق صلوا على صاحبكم نا عبد الرزاق عن معمر الزهري عن عن أبي سلمة بن عبد الرحمن قال : { جابر : هما علي يا رسول الله ، فصلى عليه النبي صلى الله عليه وسلم فلما فتح الله على رسوله قال : أنا أولى بكل مؤمن من نفسه ، فمن ترك دينا فعلي قضاؤه أبو قتادة الأنصاري } وذكر الخبر . كان النبي صلى الله عليه وسلم لا يصلي على رجل مات وعليه دين ، فأتي بميت ، فقال : عليه دين ؟ قالوا : نعم ، ديناران ، فقال
وممن أجاز الضمان عن الميت الذي لم يترك وفاء : ، ابن أبي ليلى ; ومالك ، وأبو يوسف ، ومحمد بن الحسن والشافعي - وما نعلم وأبو سليمان سلفا في قوله . لأبي حنيفة
قال ، أبو حنيفة ، وسفيان الثوري والأوزاعي ، ، وأبو عبيد وإسحاق ; ، وأحمد ، والشافعي في أول قوليه : إن للمضمون له أن يطلب بحقه إن شاء الضامن ، وإن شاء المضمون . ومالك
وقال في آخر قوليه : إذا كان المضمون عنه مليا بالحق فليس لطالب الحق أن يطلب الضامن ، وإنما له طلب المضمون عنه فقط ، إلا أن ينقص من حقه شيء فيؤخذ من الضامن حينئذ ، وإلا أن يكون المضمون عنه غائبا ، أو يكون عليه ديون للناس فيخاف المضمون له محاصة الغرماء فله في هذين الوجهين أن يطلب الضامن [ أيضا ] حينئذ . مالك
قال : أما هذا القول الذي رجع إليه أبو محمد فظاهر العوار ، لأنه دعاوى كله بلا برهان ، وتقسيم بلا دليل ، لا من قرآن ، ولا سنة ، ولا رواية سقيمة ، ولا قول أحد نعلمه من صاحب أو تابع ، ولا قياس ، ولا رأي له وجه . [ ص: 400 ] وقال مالك ، ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وأبو ثور ، وجميع أصحابنا ، كما قلنا من أن الحق قد سقط جملة عن المضمون عنه ، ولا سبيل للمضمون له إليه أبدا ، وإنما حقه عند الضامن أنصفه أو لم ينصفه . وأبو سليمان
روينا من طريق نا ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث ، عن أشعث هو ابن عبد الملك الحمراني الحسن ، ، قالا جميعا : الكفالة ، والحوالة سواء - وقد ذكرنا برهان ذلك من السنة . ومحمد بن سيرين
وأيضا : فإن من المحال الممتنع أن يكون مال واحد معدود محدود هو كله على زيد ، وهو كله على عمرو ، ولو كان هذا لكان للذي هو له عليهما أن يأخذهما جميعا بجميعه فيحصل له العدد مضاعفا ، ولما سقط عن أحدهما حق قد لزمه بأداء آخر عن نفسه ما لزمه أيضا - وهم لا يقولون بهذا .
فظهر تناقضهم واختلاط قولهم وأنه لا يعقل ، ولا يستقر .
فإن قالوا : إنما هو له على أيهما طلبه منه ؟ قلنا : فهذا أدخل في المحال ، لأنه على هذا لم يستقر حقه على واحد .
منهما بعد - لا على الضامن ولا على المضمون عنه - فإذا هو كذلك فلا حق له على واحد منهما بعد .
فإن قالوا : فإنكم تقولون في وارثين ترك مورثهما ألفي درهم ، فأخذ كل واحد منهما ألف درهم ، ثم ظهر غريم له على الميت ألف درهم : أنه يأخذها من أيهما شاء ؟ وتقولون فيمن : أن الشفيع يأخذه بالشفعة من أيهم شاء ؟ وتقولون فيمن باع شقصا مشاعا ، ثم باعه المبتاع من آخر ، والثالث من رابع : فإن المغصوب منه يأخذ بماله أيهما شاء ؟ قلنا : نعم ، وليس شيء من هذا مما أنكرناه من كون مال واحد على اثنين هو كله على كل واحد منهما : أما الوارثان فإنهما اقتسما ما لا يحل لهما اقتسامه ، وحق الغريم في ذلك المال بعينه ، لا عند الوارثين أصلا ، فإنما يأخذ حقه من مال الميت حيث [ ص: 401 ] وجده ، ثم يرجع المأخوذ منه على صاحبه فيقتسمان ما بقي للغريم حينئذ ، والقسمة الأولى فاسدة ، لأن الله تعالى لم يجعل للورثة إلا بعد الوصية ، والدين . غصب مالا ثم وهبه لآخر
وأما الغاصب يهب ما غصب فحق المغصوب منه عند الغاصب ، وحق الغاصب أن يرجع بما يؤدي على الذي وهبه إياه بغير حق ، فالمغصوب منه إن طلب الغاصب طلبه بحقه عنده ، وإن طلب الموهوب له طلبه بحق الغاصب عنده من رد ما وهبه بالباطل ، فإذا فعل استحق المغصوب منه بحقه عند الغاصب ، وهكذا كل ما انتقل ذلك المال بغير حق .
وأما الشفيع فإنه مخير إمضاء البيع أو رده ، فهو يمضي بيع من شاء منهم ويرد بيع من شاء منهم بحق الشفعة - فظهر فساد تنظيرهم .
وبالله تعالى نتأيد .
واحتجوا على خبر الذي ذكرنا بخبر رويناه من طريق أبي قتادة عن ابن أبي شيبة عن حسين بن علي الجعفي عن زائدة عن عبد الله بن محمد بن عقيل قال : { جابر ، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم حق الغريم عليك ، وبريء منهما الميت ؟ قال : نعم يا رسول الله فصلى عليه ، فلما كان من الغد قال عليه السلام أبو قتادة : ما فعل الديناران ؟ قال : يا رسول الله إنما دفناه أمس ، ثم أتاه بعد فقال له : ما فعل الديناران ؟ قال : قضيتهما يا رسول الله ، قال : الآن بردت عليه جلده لأبي قتادة } . مات رجل فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أعليه دين ؟ قلنا : نعم ، ديناران ، فقال عليه السلام : صلوا على صاحبكم ، فتحملهما
وبخبرين آخرين لا يصحان - : أحدهما : { } . نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه
والآخر ، فيه : أنه عليه السلام قال إذ ضمن دين الميت : { لعلي } . قال فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك : وهذا من العجب احتجاجهم بأخبار هي أعظم حجة عليهم . أما : { أبو محمد } فليس فيه دليل ولا نص على ما يدعونه من بقاء الدين على المضمون عنه . ونحن نقول : إنه قد فك رهانه بضمانه دينه فقط ، فإنه حول دينه على نفسه حيا كان المضمون عنه أو ميتا . [ ص: 402 ] وأما { فك الله رهانك كما فككت رهان أخيك } فليس فيه أنه حكم المضمون عنه ، ولا أنه حكم من لم يمطل بدينه بعد طلب صاحبه إياه منه . نفس المؤمن معلقة بدينه حتى يقضى عنه
ونحن نقول : إن المطالب بدينه في الآخرة إنما هو من مطل به وهو غني ، فصار ظالما ، فعليه إثم المطل - أعسر بعد ذلك أو لم يعسر - وإن كان حق الغريم فيما يتخلف من مال أو في سهم الغارمين من زكوات المسلمين إن لم يخلف مالا .
وقد يمكن أن يعفو الله تعالى عنه ذنب المطل إذا قضي عنه مما يخلف أو من سهم الغارمين أو قضاه عنه الضامن ففي هذا جاءت الأحاديث في تشديد أمر الدين .
وأما من لم يمطل قط به ، فلم يظلم ، وإذا لم يظلم فلا إثم عليه ، ولا تبعة ، وحق الغريم إن مات الذي عليه الدين فيما يتخلف ، أو في سهم الغارمين ، والظالم حينئذ من مطله بعد موت الذي عليه الدين من ورثة أو سلطان ولا إثم على الميت أصلا ، لقول الله تعالى : { لا يكلف الله نفسا إلا وسعها } .
وهو لم يمطل في حياته فلم يظلم ، وإذ لم يظلم في حياته فليس في وسعه الإنصاف بعد موته ، وإنما عليه الإقرار به فقط .
وبالله تعالى التوفيق [ وبه نتأيد ] .
وأما حديث من طريق أبي قتادة فأعظم حجة عليهم لو كان لهم مسكة إنصاف لأن فيه نصا قول النبي صلى الله عليه وسلم للضامن عن الميت : { عبد الله بن محمد بن عقيل } أليس في هذا كفاية لمن له مسكة دين أو أقل تمييز ؟ ولكنهم قوم مفتونون . حق الغريم عليك وبريء منهما الميت ، قال الضامن : نعم
فإن قيل : فما معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم إذ قضاهما : { } ؟ . الآن بردت عليه جلده
قلنا : هذا لا متعلق فيه في بقاء الدين على الميت ، ولا في رجوعه عليه لأن نص الخبر قد ورد فيه بعينه : { } فلا معنى للزيادة في هذا . وأما قوله عليه السلام : { أن الميت قد بريء من الدين وأن حق الغريم على الزعيم } فقد أصاب عليه السلام ما أراد ، وقوله الحق لا نشك فيه ، لكن نقول : إنه قد يكون تبريد زائد دخل عليه حين القضاء عنه ، وإن كان لم يكن قبل ذلك في حر كما تقول : لقد سرني فعلك ، وإن لم تكن قبل ذلك في هم ولا حزن . [ ص: 403 ] وكما لو تصدق عن الميت بصدقة لكان قد دخل عليه بها روح زائد ولا بد ، وإن لم يكن قبل ذلك في كرب ولا غم . الآن بردت عليه جلده
ويمكن أن يكون قد كان مطل وهو غني فحصل له الظلم ثم غفر الله تعالى له ذلك الظلم بالقضاء والله أعلم ، إلا أنه لا متعلق لهم بهذا أصلا ، وإنما هو حكم من أحكام الآخرة ، ونحن نجد من سن سنة سوء في الإسلام كان له إثم ذلك وإثم من عمل بها أبدا .
ونجد من سن سنة خير في الإسلام كان له أجر ذلك وأجر من عمل بها أبدا ، فقد يؤجر الإنسان بفعل غيره ، ويعاقب بفعل غيره إذا كان له فيهما سبب .
وقد يدخل الروح على من ترك ولدا صالحا يدعو له { ويفعل الله ما يشاء } ، { لا يسأل عما يفعل } وبالله تعالى التوفيق .
وأما قولنا : لا يرجع الضامن بما أدى سواء بأمره ضمن عنه أو بغير أمره إلا أن يكون المضمون عنه استقرضه ، فلما ذكرنا من سقوط الحق عن المضمون عنه وبراءته منه واستقراره على الضامن .
فمن الباطل المتيقن والظلم الواضح أن يطالب الضامن من أجل أدائه حقا لزمه وصار عليه واستقر في ذمته من لا حق قبله له ، ولا للذي أداه عنه ، وهذا لا خفاء به وما ندري لمن قال : إنه حجة أصلا . يرجع الضامن على المضمون عنه بما أدى
وقال : يرجع الضامن على المضمون عنه بما أدى عنه سواء بأمره ضمن عنه أو بغير أمره . مالك
وقال ، أبو حنيفة ، والحسن بن حي : إن ضمن عنه بأمره رجع عليه ، وإن ضمن عنه بغير أمره لم يرجع عليه - وكلا القولين فاسد لا دليل عليه أصلا ، وتقسيم فاسد بلا برهان . والشافعي
وقال ، ابن أبي ليلى ، وابن شبرمة ، وأبو ثور بمثل قولنا . وأبو سليمان
قال : وموه بعضهم بخبر واه رويناه من طريق أبو محمد أبي داود عن القعنبي عن الدراوردي عن عن عمرو بن أبي عمرو عكرمة عن { ابن عباس } . أن رجلا لزم غريما له [ ص: 404 ] بعشرة دنانير فقال : والله لا أفارقك حتى تقضيني أو تأتيني بحميل ؟ فتحمل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم فأتاه بقدر ما وعده ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أين أصبت هذا الذهب ؟ قال : من معدن ، قال : لا حاجة لنا فيها ليس فيها خير فقضاها عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال : في احتجاجهم بهذا الخبر عجب أول ذلك : أنه من رواية علي - وهو ضعيف - ضعفه عمرو بن أبي عمرو ابن معين وغيره ، وقد تركوا روايته في غير قصة - : منها - روايته من هذه الطريق نفسها عن النبي صلى الله عليه وسلم { } . من أتى بهيمة فاقتلوه واقتلوها معه
ثم لو صح لما كان لهم فيه حجة ، لأن فيه : { } . فأتاه بقدر ما وعده
فصح أن المضمون عنه وعده عليه السلام بأن يأتيه بما تحمل عنه ، وهذا أمر لا نأباه ، بل به نقول إذا قال المضمون للضامن : أنا آتيك بما تتحمل به عني .
ثم العجب الثالث - احتجاجهم بهذا الخبر وهم أول مخالف له ، لأن فيه " أن ما أخذ من معدن فلا خير فيه " وهم لا يقولون بهذا - فمن أعجب ممن يحتج بخبر ليس فيه أثر مما يحتج به فيه ، ثم هو مخالف لنص ما فيه - ونسأل الله العافية .