1637 - مسألة : ومن ، ففرض عليه قبوله ، وله أن يهبه بعد ذلك - إن شاء - للذي وهبه له ، وهكذا القول في الصدقة ، والهدية ، وسائر وجوه النفع . أعطي شيئا من غير مسألة
[ ص: 111 ] برهان ذلك - : ما رويناه من طريق نا البزار إبراهيم بن سعيد الجوهري نا عن سفيان بن عيينة الزهري عن عن السائب بن يزيد عن حويطب بن عبد العزى ابن الساعدي عن قال : " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { عمر بن الخطاب } لا نعلم حديثا رواه أربعة من الصحابة في نسق بعضهم عن بعض إلا هذا . ما أتاك من هذا المال من غير مسألة ، ولا إشراف نفس ، فاقبله
ومن طريق نا مسلم أبو الطاهر نا أخبرني ابن وهب عن عمرو بن الحارث ابن شهاب عن عن أبيه { سالم بن عبد الله بن عمر العطاء فيقول له عمر : يا رسول الله أعطه أفقر إليه مني فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خذه فتموله ، أو تصدق به ، وما جاءك من هذا المال - وأنت غير مشرف ولا سائل - : فخذه ، وما لا فلا تتبعه نفسك عمر } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطي
قال سالم : فمن أجل ذلك كان لا يسأل أحدا شيئا ، ولا يرد شيئا أعطيه " . ابن عمر
نا أحمد بن محمد بن الجسور نا أحمد بن الفضل بن بهرام الدينوري نا محمد بن جرير الطبري نا الفضل بن الصباح نا نا عبد الله بن يزيد عن سعيد بن أبي أيوب عن أبي الأسود عن بكير بن عبد الله بن الأشج عن بسر بن سعيد خالد بن عدي الجهني " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : { } . من جاءه من أخيه معروف فليقبله ولا يرده فإنما هو رزق ساقه الله إليه
[ ص: 112 ] فهذه آثار متواترة لا يسع أحدا الخروج عنها ، وأخذ بذلك من الصحابة كما ذكرنا آنفا وأبوه ابن عمر - : كما روينا من طريق عمر بن الخطاب أحمد بن شعيب نا ، عمرو بن منصور ، كلاهما عن وإسحاق بن منصور الحكم بن نافع - هو أبو اليمان - نا - عن شعيب - هو ابن أبي حمزة الزهري أخبرني أن السائب بن يزيد أخبره أن حويطب بن عبد العزى عبد الله بن السعدي أخبره أن قال لي في خلافته : ألم أحدث أنك تلي من أعمال الناس أعمالا فإذا أعطيت العمالة كرهتها . قلت : إن لي أفراسا وأعبدا وأنا بخير ، فأريد أن تكون عمالتي صدقة على المسلمين قال له عمر بن الخطاب : فلا تفعل - ثم ذكر له خبره مع النبي صلى الله عليه وآله وسلم نحو ما ذكرناه عمر
- فهذا ينهى عن رد ما أعطي المرء . عمر
ومن طريق ، نا حماد بن سلمة عن ثابت البناني أبي رافع عن قال : ما أحد يهدي إلي هدية إلا قبلتها ، فأما أن أسأل ، فلم أكن لأسأل . أبي هريرة
ومن طريق الحجاج بن المنهال نا نا مهدي بن ميمون واصل مولى أبي عيينة عن صاحب له : أن قال : من آتاه الله عز وجل من هذا المال شيئا من غير مسألة ولا إشراف ، فليأكله ، وليتموله أبا الدرداء
ومن طريق الحجاج بن المنهال نا عبد الله بن داود - هو الخريبي - عن عن الأعمش قال : رأيت هدايا حبيب بن أبي ثابت المختار تأتي ابن عباس فيقبلانها . وابن عمر
ومن طريق نا محمد بن المثنى عن أبو عاصم الضحاك بن مخلد عن سفيان الثوري عن منصور بن المعتمر قال : خذ من السلطان ما أعطاك . إبراهيم النخعي
قال : هذا من طريق الأثر ، وأما من طريق النظر فإنه لا يخلو من أعطاه : سلطان أو غير سلطان ، كائنا من كان ، من بر أو ظالم ، من أحد ثلاثة أوجه لا رابع لها - : إما أن يوقن المعطى أن الذي أعطي حرام ، وإما أن يوقن أنه حلال ، وإما أن يشك فلا يدري أحلال هو أم حرام ؟ [ ص: 113 ] ثم ينقسم هذا القسم ثلاثة أقسام : إما أن يكون أغلب ظنه أنه حرام ، أو يكون أغلب ظنه أنه حلال ، وإما أن يكون كلا الأمرين ممكنا على السواء . أبو محمد
فإن ، فإن رده فهو فاسق عاص لله تعالى ظالم ; لأنه يعين به ظالما على الإثم والعدوان بإبقائه عنده ، ولا يعين على البر والتقوى في انتزاعه منه ، وقد نهى الله تعالى عن ذلك وأمره بخلاف ما فعل بقوله تعالى : { كان موقنا أنه حرام وظلم وغصب وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } .
ثم لا يخلو من أن يكون يعرف صاحبه الذي أخذ منه بغير حق أو لا يعرفه ، فإن كان يعرفه .
فهنا زاد فسقه ، وتضاعف ظلمه ، وأتى كبيرة من الكبائر ، وصار أظلم من ذلك الظالم ; لأنه قدر على رد المظلمة إلى صاحبها وعلى إزالتها عن الظالم فلم يفعل ، بل أعان الظالم ، وأيده وقواه ، وأعان على المظلوم . وإن كان لا يعرف صاحبه فكل مال لا يعرف صاحبه فهو في مصالح المسلمين ، فالقول في هذا القسم كالقول في الذي قبله سواء سواء ، إذ منع المساكين والفقراء والضعفاء حقهم ، وأعان على هلاكهم ، وقوى الظالم بما لا يحل له ، وهذا عظيم جدا - نعوذ بالله منه .
فإن كان يوقن أنه حلال فإن الذي أعطاه مكتسب بذلك حسنات جمة بلا شك ، فهو في رده عليه ما أعطاه غير ناصح ، له ، إذ منعه الحسنات الكثيرة ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { } فمن لم ينصح لأخيه المسلم في دينه فقد عصى الله عز وجل في ذلك ، ولعله إن رده لا يحضر المردود عليه بنية أخرى في بذله ، فيكون قد حرمه الأجر وصد عن سبيل من سبل الخير . وإن الدين النصيحة الدين النصيحة لله ولرسوله ولكتابه ولأئمة المسلمين وعامتهم ؟ فهذه صفة كل ما يتعامل به الناس إلا في اليسير الذي يوقن فيه أنه حلال ، أو أنه حرام ، فلو حرم أخذ هذا لحرمت المعاملات كلها إلا في النادر القليل جدا . كان لا يدري أحلال هو أم حرام
[ ص: 114 ] وقد كان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سرقات ومعاملات فاسدة غير مشهورة ، فما حرم عليه الصلاة والسلام قط من أجل ذلك أخذ مال يتعامل به الناس ، إلا أن قوما من أهل الورع اتقوا ما الأغلب عندهم أنه حرام ، فما كان من هذا القسم فهو داخل في باب وجوب النصيحة بأخذه ، فإن طابت نفسه عليه فحسن ، وإن اتقاه فليتصدق به فيؤجر على كل حال ، فهذا برهان ظاهر لائح .
وبرهان آخر - : وهو أن من الجهل المفرط ، والعمل في الدين بغير علم أن يكون المرء يستسهل بلا مؤنة أخذ مال زيد في بيع يبيعه منه ، أو في إجارة يؤجر نفسه في عمل يعمله ، له ، ثم يتجنب أخذ مال ذلك الزيد نفسه إذا أعطاه إياه طيب النفس به ، فهذا عجب عجيب ، لا مدخل له في الورع أصلا ; لأنه إن كان يتقي كون ذلك المال خبيثا فقد أخذه في البيع والإجارة فهذا يكاد يكون رياء مشوبا بجهل .
فإن قيل : يكره المرء أخذه ؟ قيل : هذا خلاف فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم والرغبة عن سنته نعوذ بالله من هذا - : كما روينا من طريق نا البخاري محمد بن بشار نا عن محمد بن أبي عدي عن شعبة - عن سليمان - هو الأعمش عن أبي حازم عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { أبي هريرة } ومن رغب عن سنته فما وفق لخير صح أنه عليه الصلاة والسلام قال : { لو دعيت إلى ذراع أو كراع لأجبت ، ولو أهدي إلي ذراع أو كراع لقبلت } . قال من رغب عن سنتي فليس مني : وكان أبو محمد ، مالك لا يردان ما أعطيا ، ولا يسألان أحدا شيئا ، فإن احتج المخالف بحديث والشافعي الصعب بن جثامة { } . إذ أهدى إلى النبي صلى الله عليه وسلم حمار وحش فرده عليه وقال : إنا لم نرده عليك إلا أنا حرم
وبما روينا من طريق نا عبد الرزاق عن معمر ابن عجلان عن سعيد المقبري عن " أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال : { أبي هريرة } . لقد هممت أن لا أقبل هبة إلا من قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي
[ ص: 115 ] ومن طريق أبي داود نا محمد بن عمرو والرازي نا سلمة بن الفضل نا عن محمد بن إسحاق سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبيه عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم { أبي هريرة } . وايم الله لا أقبل بعد يومي هذا من أحد هدية إلا أن يكون من مهاجري قرشي أو أنصاري أو ثقفي أو دوسي
وبما رويناه من طريق نا البخاري محمد بن يوسف نا الأوزاعي عن الزهري عن ، سعيد بن المسيب أن وعروة بن الزبير حكيم بن حزام قال { حكيم إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه ، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك فيه ، وكان كالذي يأكل ولا يشبع ، واليد العليا خير من اليد السفلى قال حكيم فقلت : يا رسول الله والذي بعثك بالحق لا أرزأ بعدك أحدا شيئا حتى أفارق الدنيا } ، فكان سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاني ثم سألته فأعطاني ، ثم قال : يا يدعو أبو بكر حكيما ليعطيه العطاء فيأبى أن يقبل منه شيئا ، ثم إن دعاه ليعطيه فأبى أن يقبل منه شيئا ، فقال عمر : يا معشر المسلمين إني أعرض عليه حقه الذي قسمه الله له من هذا الفيء فيأبى أن يأخذه - فلم يرزأ عمر حكيم أحدا من الناس شيئا بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حتى توفي " .
وبما رويناه من طريق أنه قال أبي ذر وقد سأله للأحنف بن قيس الأحنف عن العطاء ؟ فقال له : خذه ، فإن فيه اليوم معونة ، فإذا كان ثمنا لدينك فلا تأخذه . أبو ذر
فكل هذا لا حجة لهم فيه - : أما حديث { } فإن لقد هممت أن لا أقبل هبة سعيد بن أبي سعيد لا يخلو : إما أن يكون سمعه من أو لم يسمعه . فإن كان لم يسمعه فهو منقطع ، وإن كان [ ص: 116 ] سمعه فإنما فيه : أنه عليه السلام هم بذلك ، لا أنه أنفذه وهو موافق لمعهود الأصل ، لأن الأصل كان أن المعطى مخير إن شاء قبل وإن شاء رد . أبي هريرة
وحديث رضي الله عنه وارد بإبطال الحال الأول ، ولا شك في ذلك حين أمره عليه الصلاة والسلام بقبول ما جاء من المال من غير مسألة ولا إشراف نفس . عمر
فصح أن هذا الهم قد صح نسخه بيقين لا مرية فيه ، فمن ادعى أن الموقن نسخه قد دعا ونسخ الناسخ ، فقد ادعى الباطل ، وما لا علم له به ، وحاش الله من جواز ذلك في الدين ، إذ لو كان ذلك لما علمنا صحيح الدين من سقيمه فيه ولا ما يلزمنا مما لا يلزمنا ، ومعاذ الله من هذا - فبطل التعلق بهذا الخبر جملة .
وأما الآخر { } فرواية لا أقبل بعد يومي هذا من أحد هدية سلمة بن الفضل الأبرش - وهو ساقط مطرح - فبطل التعلق به جملة .
وأما حديث الصعب بن جثامة فقد بين عليه الصلاة والسلام السبب الذي من أجله رده وهو كونهم محرمين ، وهذا بعض الأحوال التي عمها حديث ، فهو مستثنى منه ، وكذلك نقول : إن عمر فهو مخير في قبوله ورده ، وهكذا روينا عن المحرم إذا أهدي له صيد عائشة أم المؤمنين ، أنهما كانا يقبلان الهدايا ويردان الصيد إن أهدي لهما وهما محرمان . وابن عمر
وأما حديث حكيم - فبين جدا ; لأنه لما سمع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول فيمن أخذ المال بإشراف نفس ما قال من أنه { } وعلم من نفسه الإشراف إلى المال لم يستجز أخذه وهكذا نقول : إنه إنما يلزم أخذه من كان غير مشرف النفس إليه . لا يبارك له فيه
وبرهان ذلك - : إخباره عن نفسه أنه سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم فأعطاه ، ثم سأله فأعطاه ، ثم سأله فأعطاه - كذا جاء في بعض الروايات حتى خاطبه بما خاطبه به . وروينا من طريق عن عبد الرزاق عن معمر الزهري عن { سعيد بن المسيب حكيم بن حزام يوم حنين عطاء فاستقله ، فزاده } ، ثم ذكر الحديث المذكور ، وهذا غاية إشراف النفس ; [ ص: 117 ] وروينا من طريق أعطى النبي صلى الله عليه وآله وسلم نا أبي داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب مسلم بن جندب عن حكيم بن حزام قال { حكيم إن هذا المال حلو خضر } . : سألت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فألحفت في المسألة فقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ما أنكر مسألتك يا
وذكر الحديث .
فهذا بيان لائح ، ولا يجوز أن يظن بحكيم رضي الله عنه غير هذا .
وأما قول فصحيح ; لأن ما أعطى المرء وطلب عوضا منه فحرام عليه أخذه ، وإنما يلزم أخذ ما أعطي دون شرط فاسد - : روينا من طريق أبي ذر عن عبد الرزاق عن سفيان الثوري عن سلمة بن كهيل ذر بن عبد الله المرهبي عن أن رجلا سأله فقال : لي جار يأكل الربا ، وأنه لا يزال يدعوني . فقال له عبد الله بن مسعود : مهناه لك ، وإثمه عليك ، قال ابن مسعود سفيان : إن عرفته بعينه فلا تأكله . قال : صدق أبو محمد سفيان الأكل غير الأخذ ، لما عرف أن عينه حرام ; لأنه يقدر في أخذه على أن يؤدي فيه ما افترضه الله تعالى عليه من إيصاله إلى أهله وإزالته عن المظالم ، ولا يقدر على ذلك في الأكل ، ففرض عليه اجتناب أكله .
ومن طريق عن عبد الرزاق عن معمر عن أبي إسحاق السبيعي الزبير - هو ابن الخريت - عن قال : إذا كان لك صديق عامل ، أو جار عامل ، أو ذو قرابة عامل ، فدعاك إلى طعام فاقبله ، فإنه مهناه لك وإثمه عليه . سلمان الفارسي
وبه إلى عن عبد الرزاق قال : كان معمر - هو عامل عدي بن أرطاة البصرة - يبعث إلى الحسن كل يوم بجفان ثريد فيأكل الحسن منها ويطعم أصحابه قال : وبعث عدي إلى الحسن ، والشعبي ، ، فقبل وابن سيرين الحسن ، والشعبي ، ورد . ابن سيرين
قال : وسئل الحسن عن طعام الصيارفة ؟ فقال : قد أخبركم الله تعالى عن اليهود ، والنصارى أنهم يأكلون الربا وأحل لكم طعامهم .
وبه إلى عن معمر قلت منصور بن المعتمر : عريف لنا يهمط ويصيب من الظلم فيدعوني فلا أجيبه فقال لإبراهيم النخعي : الشيطان عرض بهذا ليوقع عداوة ، [ ص: 118 ] وقد كان العمال يهمطون ويصيبون ثم يدعون فيجابون ، قلت له : نزلت بعامل فنزلني وأجازني ، قال : اقبل ، قلت : فصاحب ربا ؟ فقال : اقبل ما لم تره بعينه . إبراهيم
قال : وهكذا أدركنا من يوثق بعلمه - وبالله تعالى التوفيق . علي