190 - مسألة : ولا معنى لتخليل اللحية في الغسل ولا في الوضوء ، وهو قول  مالك   وأبي حنيفة   والشافعي   وداود    . 
والحجة في ذلك ما حدثناه عبد الله بن ربيع  ثنا محمد بن معاوية  ثنا أحمد بن شعيب   ثنا  محمد بن المثنى  ثنا  يحيى هو ابن سعيد القطان    - عن  سفيان الثوري  ثنا  زيد بن أسلم  عن  عطاء بن يسار  عن  ابن عباس  قال { ألا أخبركم بوضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ فتوضأ مرة مرة   } . 
قال  علي    : وغسل الوجه مرة لا يمكن معه بلوغ الماء إلى أصول الشعر ، ولا يتم  [ ص: 281 ] ذلك إلا بترداد الغسل والعرك ، وقال - عز وجل - : { فاغسلوا وجوهكم    } والوجه هو ما واجه ما قابله بظاهره ، وليس الباطن وجها وذهب إلى إيجاب التخليل قوم ، كما روينا عن  مصعب بن سعد  أن  عمر بن الخطاب  رأى قوما يتوضئون ، فقال خللوا وعن ابنه  عبد الله  أيضا مثل ذلك ، وعن  ابن جريج  عن  عطاء  أنه قال : اغسل أصول شعر اللحية ، قال  ابن جريج    : قلت  لعطاء  أيحق علي أن أبل أصل كل شعرة في الوجه ؟ قال نعم ، قال  ابن جريج    : وأن أزيد مع اللحية الشاربين والحاجبين ؟ قال : نعم ، وعن ابن سابط   وعبد الرحمن بن أبي ليلى   وسعيد بن جبير  إيجاب تخليل اللحية في الوضوء والغسل  ، وروينا عن غير هؤلاء فعل التخليل دون أن يأمروا بذلك ، فروينا عن  عثمان بن عفان  أنه توضأ فخلل لحيته وعن  عمار بن ياسر  مثل ذلك ، وعن  عبد الله بن أبي أوفى  وعن  أبي الدرداء   وعلي بن أبي طالب  مثل ذلك ، وإلى هذا كان يذهب  أحمد بن حنبل  ، وهو قول أبي البختري  وأبي ميسرة   وابن سيرين  والحسن   وأبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود   وعبد الرزاق  وغيره . 
قال  أبو محمد    : واحتج من رأى إيجاب ذلك بحديث رويناه عن  أنس    { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا توضأ أخذ كفا من ماء فأدخله تحت حنكه فخلل به لحيته وقال : بهذا أمرني ربي   } . 
وبحديث آخر عن  أنس  عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أتاني جبريل  فقال : إن ربك يأمرك بغسل الفنيك والفنيك الذقن خلل لحيتك عند الطهور   } وعن  ابن عباس   [ ص: 282 ]   { كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتطهر ويخلل لحيته ، ويقول : هكذا أمرني ربي ومن طريق وهب  هكذا أمرني ربي   } . 
قال  أبو محمد    : وكل هذا لا يصح ، ولو صح لقلنا به : أما حديث  أنس  فإنه من طريق الوليد بن زوران  وهو مجهول والطريق الآخر فيها عمر بن ذؤيب  وهو مجهول والطريق الثالثة من طريق مقاتل بن سليمان  وهو مغموز بالكذب ، والطريق الرابعة فيها الهيثم بن جماز  وهو ضعيف ، عن يزيد الرقاشي  وهو لا شيء ، فسقطت كلها . 
ثم نظرنا في حديث  ابن عباس  فوجدناه من طريق نافع مولى يوسف  وهو ضعيف منكر الحديث ، والأخرى فيها مجهولون لا يعرفون ، والذي من طريق  ابن وهب  لم يسم فيه ممن بين  ابن وهب  ورسول الله صلى الله عليه وسلم أحد ، فسقط كل ذلك . 
وأما من استحب التخليل فاحتجوا بحديث من طريق  عثمان بن عفان    { أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخلل لحيته   } وعن  عمار بن ياسر  مثل ذلك . 
وعن  عائشة  مثل ذلك .  [ ص: 283 ] وعن عبد الله بن أوفى  مثل ذلك . وعن الحسن  مثل ذلك . وعن  أبي أيوب  مثل ذلك .  [ ص: 284 ] وعن أنس مثل ذلك . وعن  أم سلمة  مثل ذلك ، وعن  جابر  مثل ذلك وعن  عمرو بن الحارث  مثل ذلك . 
قال  أبو محمد    : وهذا كله لا يصح منه شيء : أما حديث عثمان  فمن طريق  إسرائيل  وليس بالقوي ، عن عامر بن شقيق  ، وليس مشهورا بقوة النقل . 
وأما حديث  عمار  فمن طريق حسان بن بلال المزني  وهو مجهول ، وأيضا فلا يعرف له لقاء  لعمار  وأما حديث  عائشة  فإنه من طريق رجل مجهول لا يعرف من هو ؟  شعبة  يسميه عمرو بن أبي وهب    . وأمية بن خالد  يسميه عمران بن أبي وهب    . 
وأما حديث ابن أبي أوفى  فهو من طريق أبي الورقاء فائد بن عبد الرحمن العطار  وهو ضعيف أسقطه  أحمد  ويحيى   والبخاري  وغيرهم . 
وأما حديث  أبي أيوب  فمن طريق واصل بن السائب  وهو ضعيف ،  وأبو أيوب  المذكور فيه ليس هو  أبا أيوب الأنصاري  صاحب النبي صلى الله عليه وسلم قاله ابن معين    . وأما حديث  أنس  فهو من طريق أيوب بن عبد الله  وهو مجهول . وأما حديث  أم سلمة  فهو من طريق خالد بن إلياس المديني  ، من ولد أبي الجهم بن حذيفة العدوي  وهو ساقط منكر الحديث ، وليس هو خالد بن إلياس  الذي يروي عنه  شعبة  ، ذا بصري ثقة . وأما حديث  جابر  فهو من طريق أصرم بن غياث  ، وهو ساقط ألبتة لا يحتج به . وأما حديث الحسن   وعمرو بن الحارث  فمرسلان ، فسقط كل ما في هذا الباب ولقد كان يلزم من يحتج بحديث  معاذ    " أجتهد رأيي " ويجعله أصلا في الدين  [ ص: 285 ] وبأحاديث الوضوء بالنبيذ وبالوضوء من القهقهة في الصلاة ، وبحديث بيع اللحم بالحيوان ، ويدعي فيها الظهور والتواتر - أن يحتج بهذه الأخبار فهي أشد ظهورا وأكثر تواترا - من تلك ، ولكن القوم إنما همهم نصر ما هم فيه في الوقت فقط . 
واحتج أيضا من رأى التخليل بأن قالوا : وجدنا الوجه يلزم غسله بلا خلاف قبل نبات اللحية ، فلما نبتت ادعى قوم سقوط ذلك وثبت عليه آخرون ، فواجب أن لا يسقط ما اتفقنا عليه إلا بنص آخر أو إجماع قال  أبو محمد    : وهذا حق ، وقد سقط ذلك بالنص ; لأنه إنما يلزم غسله ما دام يسمى وجها ، فلما خفي بنبات الشعر سقط عنه اسم الوجه ، وانتقل هذا الاسم إلى ما ظهر على الوجه من الشعر ، وإذ سقط اسمه سقط حكمه ، وبالله تعالى التوفيق . 
				
						
						
