2179 - مسألة : قال من شهد في حد بعد حين ؟ رحمه الله : نا أبو محمد محمد بن سعيد بن نبات نا عبد الله بن نصر ثنا [ ص: 43 ] نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية نا وكيع عن مسعر بن كدام أبي عون - هو محمد بن عبد الله الثقفي - قال : من شهد على رجل بحد لم يشهد به حين أصابه ، فإنما يشهد على ضغن . عمر بن الخطاب
قال : نا علي عبد الله بن ربيع نا نا ابن مفرج نا قاسم بن أصبغ نا ابن وضاح سحنون نا قال : بلغني عن ابن وهب أنه قال في رجل زنى في صباه واطلع على ذلك رهط عدول ، فلم يرفعوا أمره ، ولبث بذلك سنين ، وحسنت حالته ، ثم نازع رجلا فرماه بذلك ، وأتى على ذلك بالبينة واعترف ، فإنه يرجم ، لا يضع الحد عن أهله طول زمان ، ولا أن يحدث صاحب ذلك حسن هيئة - قال ربيعة : يريد بصباه : سفهه بعد الاحتلام . ابن وهب
قال رحمه الله : وقال أبو محمد ، وأصحابه : إن شهد أربعة عدول أحرار مسلمون بالزنى بعد مدة فلا حد عليه . أبو حنيفة
قال : مقدار المدة المذكورة شهر واحد . أبو يوسف
وقالوا : إن فلا قطع عليه ، لكن يضمن ما شهد عليه بأنه سرقه . شهد عليه عدلان مسلمان حران بسرقة بعد مدة
ولو ، فإن كانت الشهادة وريح الخمر توجد منه ، أو وهو سكران - : أقيم عليه الحد - وإن كانت تلك الشهادة بعد ذهاب الريح أو السكر ، فلا حد عليه إلا أن يكونوا حملوه إلى الإمام في مصر آخر ، فزال الريح أو السكر في الطريق : فإنه يحد . شهدا عليه بشرب خمر
ولو حد للقذف ، ووجب عليه حكم تلك الجراحة . شهد عليه بعد مدة طويلة بقذف أو جراحة
وقال ، وأصحابه ، وأصحابنا : يقام عليه الحد في كل ذلك . الشافعي
وقال الأوزاعي ، ، والليث مثل ذلك . والحسن بن حي
قال رحمه الله : وإذ قد بلغنا هاهنا فلنتكلم - بعون الله تعالى - في حكم أبو محمد ؟ [ ص: 44 ] فنقول : قال الله تعالى { من اطلع على حد ، أهو في حرج إن كتم الشهادة أم في سعة من ذلك وأقيموا الشهادة لله }
وقال تعالى { ومن أظلم ممن كتم شهادة عنده من الله } .
وقال تعالى { ولا تكتموا الشهادة ومن يكتمها فإنه آثم قلبه } .
وقال تعالى { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } .
ووجدنا ما روينا من طريق نا مسلم نا قتيبة بن سعيد ليث - هو ابن سعد - عن عقيل عن الزهري عن عن أبيه " أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : { سالم بن عبد الله بن عمر } . المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله بها عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة
قال رحمه الله : فوجب استعمال هذه النصوص كلها ، فنظرنا في ذلك : فوجدنا العمل في جمعها - الذي لا يحل لأحد غيره - لا يخلو من أحد وجهين : إما أن يخص عموم الآيات المذكورة بالخبر المذكور ، وإما أن يخص عموم الخبر المذكور بالآيات المذكورات ، إذ لا يمكن ألبتة غير هذا ولا بد من أحد العملين ، فإن خصصنا عموم الآيات بالخبر كان القول في ذلك أن القيام بالشهادات كلها ، والإعلان بها فرض ، إلا ما كان منها ستر المسلم في حد من الحدود ، فالأفضل الستر ، وإن خصصنا عموم الخبر بالآيات كان القول في ذلك أن الستر على المسلم حسن ، إلا ما كان من أداء الشهادات فإنه واجب . أبو محمد
فنظرنا : أي هذين العملين هو الذي يقوم البرهان على صحته فيؤخذ به ، إذ لا يحل أخذ أحدهما مطارفة دون الآخر ، ولا يجوز أن يكونا جمعا جميعا ، بل الحق في أحدهما بلا شك .
فنظرنا في ذلك - بعون الله تعالى - فوجدنا الستر على المسلم الذي ندبنا إليه في الحديث لا يخلو من أحد وجهين لا ثالث لهما : إما يستره ويستر عليه في ظلم يطلب به المسلم ، فهذا فرض واجب ، وليس هذا مندوبا إليه ، بل هو كالصلاة والزكاة . [ ص: 45 ]
وإما أن يكون في الذنب يصيبه المسلم ما بينه وبين ربه تعالى ، ولم يقل أحد من أهل الإسلام بإباحة ، أو غصبه امرأته ، أو سرق حرا ، وما أشبهه ، فهذا فرض على كل مسلم أن يقوم به حتى يرد الظلامات إلى أهلها ؟ فنظرنا في الحديث المذكور فوجدناه ندبا لا حتما ، وفضيلة لا فرضا ، فكان الظاهر منه أن للإنسان أن يستر على المسلم يراه على حد بهذا الخبر ، ما لم يسأل عن تلك الشهادة نفسها ، فإن سئل عنها ففرض عليه إقامتها وأن لا يكتمها ، فإن كتمها حينئذ فهو عاص لله تعالى . الستر على مسلم في ظلم ظلم به مسلما ، كمن أخذ مال مسلم بحرابة واطلع عليه إنسان
وصح بهذا اتفاق الخبر مع الآيات ، وأن إقامة الشهادة لله تعالى ، وتحريم كتمانها ، وكون المرء ظالما بذلك ، فإنما هو إذا دعي فقط ، لا إذا لم يدع ، كما قال تعالى { ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } .
ثم نظرنا في الخبر المذكور عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي حدثناه حمام نا عباس بن أصبغ نا محمد بن عبد الملك بن أيمن نا إبراهيم بن محمد نا يحيى بن يعمر نا ابن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن أبيه عن عبد الله بن عمرو بن عثمان عن أبي عمرة الأنصاري - هو عبد الرحمن بن زيد بن خالد - أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : { } ألا أخبركم بخير الشهداء ؟ الذي يأتي بالشهادة قبل أن يسألها ، أو يخبر بشهادته قبل أن يسألها
قال رحمه الله : فكان هذا عموما في كل شهادة في حد أو غير حد ، ووجدنا قول الله تعالى { أبو محمد يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين } فسوى الله تعالى بين وجوب أداء المرء الشهادة على نفسه ، وعلى والديه ، وأقاربه ، والأباعد ، فوجب من هذه النصوص أن - حدا كان أو غيره - فإذا سئلها ففرض عليه أداؤها - حدا أو غيره وأن الشهادة لا حرج على المرء في ترك أدائها ما لم يسألها - : ففرض عليه إعلامه بها ، لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { من كان لإنسان عنده شهادة ، والمشهود له لا يدري بها } فإن سأله المشهود أداءها لزمه ذلك فرضا ، لما ذكرنا قبل من قول الله تعالى { الدين النصيحة قيل : لمن يا رسول الله ؟ قال : لله ولكتابه ، ولأئمة المسلمين ، وعامتهم ولا يأب الشهداء إذا ما دعوا } [ ص: 46 ] وإن لم يسأل لم يلزمه أن يؤديها - وبالله تعالى التوفيق .
وأما من ، ففرض على الشاهد على المقذوف الزاني أن يؤدي الشهادة ولا بد ، سئلها أو لم يسألها - علم القاذف بذلك أو لم يعلم - وهو عاص لله تعالى إن لم يؤدها حينئذ ، لقول الله تعالى { كانت عنده شهادة على إنسان بزنى ، فقذف ذلك الزاني إنسان فوقف القاذف على أن يحد للمقذوف وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } .
ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { } . المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه
ولقوله عليه السلام { } . انصر أخاك ظالما كان أو مظلوما
فهذا إذا أدى الشهادة التي عنده بصحة ما قذف به ، معين على إقامة حد بحق غير ظالم به ، معين على البر والتقوى - وإن لم يؤدها : معين على الإثم والعدوان ، وهو ظالم قد أسلمه للظلم ، إذ تركه يضرب بغير حق .
فإن ذكروا : ما ناه يوسف بن عبد الله وغيره قالوا : حدثنا محمد بن الجسور ثنا نا قاسم بن أصبغ مطرف بن قيس حدثنا نا يحيى بن بكير عن مالك بن أنس عن يحيى بن سعيد الأنصاري قال : { سعيد بن المسيب أسلم جاء إلى فقال : إن الآخر زنى ، فقال له أبي بكر الصديق : هل ذكرت ذلك لغيري ؟ فقال : لا ، قال أبو بكر : فتب إلى الله ، واستتر بستر الله ، فإن الله يقبل التوبة عن عباده ، فلم تقر نفسه حتى أتى أبو بكر ، فقال له كما قال عمر بن الخطاب ، فقال له لأبي بكر كما قال له عمر فلم تقر نفسه حتى أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن الآخر زنى ، قال أبو بكر : فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرارا - كل ذلك يعرض عنه - حتى إذا أكثر عليه ؟ بعث إلى أهله ، فقال : أيشتكي ، أبه جنة ؟ فقالوا : لا ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أبكر أم ثيب ؟ فقالوا : بل ثيب - : فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم فرجم . قال سعيد : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لرجل من سعيد بن المسيب أسلم يقال له هزال : لو سترته بردائك لكان خيرا لك } . إن رجلا من
قال يحيى : فذكرت هذا الحديث في مجلس فيه يزيد بن نعيم بن هزال الأسلمي ؟ فقال يزيد هزال جدي - وهذا الحديث حق [ ص: 47 ] قال : فإن هذا الحديث مرسل لم يسنده علي سعيد ، ولا يزيد بن نعيم ولا حجة في مرسل ، ولو انسند لما خرج منه إلا أن الستر ، وترك الشهادة أفضل فقط - هذا على أصول القائلين بالقياس إذا سلم لهم - وبالله تعالى التوفيق