[ ص: 3 ] كتاب الصلاة بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على محمد وآله وسلم الصلاة 275 - مسألة : الصلاة قسمان : فرض وتطوع ; فالفرض هو الذي من تركه عامدا ، كان عاصيا لله عز وجل وهو الصلوات الخمس : الظهر والعصر والمغرب والعشاء الأخيرة والفجر . والقضاء لما نسي منها أو نام عنها هو هي نفسها ، والفرض قسمان : فرض متعين على كل مسلم عاقل بالغ ، ذكر أو أنثى ، حر أو عبد ، وهو ما ذكرناه ; وفرض على الكفاية ; يلزم كل من حضر ; فإذا قام به بعضهم سقط عن سائرهم ، وهو الصلاة على جنائز المسلمين .
والتطوع هو ما إن تركه المرء عامدا لم يكن عاصيا لله عز وجل بذلك ، وهو الوتر وركعتا الفجر وصلاة العيدين والاستسقاء والكسوف والضحى ، وما يتنفل المرء قبل صلاة الفرض وبعدها ، والإشفاع في رمضان وتهجد الليل وكل ما يتطوع به المرء ، ويكره ترك كل ذلك .
برهان ذلك أنه ليس في ضرورة العقل إلا القسمان المذكوران ، إما شيء يعصي الله تعالى تاركه ; وإما شيء لا يعصي الله تعالى تاركه ; ولا واسطة بينهما .
وقولنا : الفرض والواجب والحتم واللازم والمكتوب ; ألفاظ معناها واحد ، وهو ما ذكرنا .
وقولنا : التطوع والنافلة بمعنى واحد ، وهو ما ذكرنا ، وقال قوم : ههنا قسم ثالث وهو الواجب .
قال : هذا خطأ ; لأنه دعوى بلا برهان ، وقول لا يفهم ، ولا يقدر قائله على أن يبين مراده فيه . أبو محمد
[ ص: 4 ] فإن قالوا : إن بعض ذلك أوكد من بعض ، قلنا : نعم ، بعض التطوع أوكد من بعض ، وليس ذلك بمخرج شيء منه عن أن يكون تطوعا ، لكن أخبرونا عن هذا الذي قلتم : هو واجب لا فرض ، ولا تطوع ، أيكون تاركه عاصيا لله عز وجل ؟ أم لا يكون عاصيا ؟ ولا بد من أحد هذين القسمين ، ولا سبيل إلى قسم ثالث ، فإن كان تاركه عاصيا فهو فرض ; وإن كان تاركه ليس عاصيا فليس فرضا .
وحدثنا عبد الله بن يوسف ثنا أحمد بن فتح حدثنا عبد الوهاب بن عيسى ثنا حدثنا حمد بن محمد ثنا أحمد بن علي ثنا مسلم بن الحجاج عن قتيبة بن سعيد عن مالك بن أنس أبي سهيل بن مالك عن أبيه أنه سمع يقول { طلحة بن عبيد الله } . جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : خمس صلوات في اليوم والليلة قال هل علي غيرهن ؟ قال : لا إلا أن تتطوع وذكر باقي الحديث فأدبر الرجل ، وهو يقول والله لا أزيد على هذا ولا أنقص منه ; فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : أفلح إن صدق
وهذا نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم على قولنا ، وأنه ليس إلا واجبا أو تطوعا ، فإن ما عدا الخمس فهو تطوع ، وهذا لا يسع أحدا خلافه .
وأما وجوب النذر ; فلقول الله تعالى : { أوفوا بالعقود } ; ولقول رسول الله صلى الله عليه وسلم { } ، ولا خلاف من أحد من الأمة في أن من نذر أن يطيع الله فليطعه فرض ، ومن خالف ذلك فكافر . الصلوات الخمس
وأما كون ; فلقول رسول الله صلى الله عليه وسلم : { صلاة الجنازة فرضا على الكفاية } ، ولا خلاف في أنه إذا قام بالصلاة عليها قوم فقد سقط الفرض عن الباقين . صلوا على صاحبكم
وأما كون ما عدا ذلك تطوعا فإجماع من الحاضرين من المخالفين إلا في الوتر ; فإن قال : إنه واجب ، وقد روي عن بعض المتقدمين : إنه فرض . أبا حنيفة
فالبرهان على من قال إنه فرض ما روينا بالسند المذكور إلى : حدثنا مسلم حرملة بن يحيى ثنا ثنا ابن وهب - عن يونس هو ابن يزيد ابن شهاب عن [ ص: 5 ] فذكر حديث الإسراء - وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ففرض الله عز وجل على أمتي خمسين صلاة " ثم ذكر عليه السلام مراجعته لربه عز وجل في ذلك ; إلى أن قال " فراجعت ربي " فقال : " هي خمس وهي خمسون { أنس بن مالك ما يبدل القول لدي } فهذا خبر من الله عز وجل مأمون تبدله ، فصح أن الصلوات لا تبدل أبدا عن خمس وأمنا النسخ في ذلك أبدا بهذا النص ، فبطل بهذا قول من قال : إن الوتر فرض ، وإن تهجد الليل فرض ، وهو قول رويناه عن الحسن .
وأيضا فإن يونس بن عبد الله حدثنا قال : حدثنا أبو عيسى بن أبي عيسى ثنا ثنا أحمد بن خالد ثنا ابن وضاح ثنا أبو بكر بن أبي شيبة - عن حسين بن علي هو الجعفي عن زائدة عن عبد الملك بن عمير محمد بن المنتشر عن حميد بن عبد الرحمن عن قال { أبي هريرة } . جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله أي الصلاة أفضل بعد المكتوبة ؟ قال : الصلاة من جوف الليل قال : أي الصيام أفضل بعد رمضان ؟ قال : شهر الله الذي يدعونه المحرم
قال : فصح أن تهجد الليل ليس من المكتوبة ; أبو محمد ; فبهذين الخبرين صح أن قول رسول الله صلى الله عليه وسلم والوتر من تهجد الليل { لعبد الله بن عمرو عبد الله لا تكن مثل فلان كان يقوم من الليل فترك قيام الليل } وقوله عليه السلام يا لحفصة عن أخيها رضي الله عن جميعهم { عبد الله بن عمر عبد الله لو كان يصلي من الليل } ، وقوله عليه السلام الذي رويناه من طريق نعم الرجل عن أحمد بن حنبل عن يحيى بن سعيد القطان حدثني عبيد الله بن عمر عن نافع عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : { ابن عمر } ، وقوله عليه السلام : { اجعلوا آخر صلاتكم بالليل وترا } و { بادروا الصبح بالوتر } إن هذه الأوامر كلها ندب ، لا يجوز غير ذلك . يا أهل القرآن أوتروا
وأما الحديث { } ، وقوله عليه السلام : إذ ذكر له [ ص: 6 ] رجل لم يزل نائما حتى أصبح ما قام إلى الصلاة ، فقال عليه السلام : { إن الشيطان يعقد على قافية رأس أحدكم إذا هو نام ثلاث عقد يضرب كل عقدة عليك ليل طويل فارقد وفي آخره فإن صلى انحلت عقدة فأصبح نشيطا طيب النفس ، وإلا أصبح خبيث النفس كسلان } - إنما هو على الفرض ونومه عنه لما ذكرنا . بال الشيطان في أذنه
والبرهان لا يعارض إلا ببرهان ، وما كان من عند الله فلا يختلف ، ولا يتكاذب ، وروينا عن عن شعبة أبي إسحاق السبيعي عن عاصم بن ضمرة عن قال : الوتر ليس بحتم ولكنه سنة . علي بن أبي طالب
وروينا عن عن سفيان الثوري أبي إسحاق عن عن عاصم قال : { علي } ، وعن الوتر ليس فريضة ولكنه سنة سنها رسول الله صلى الله عليه وسلم تكذيب من قال إن الوتر واجب . عبادة بن الصامت
وروينا عن الحجاج بن المنهال حدثنا قال : سألت جرير بن حازم : أكان نافعا مولى ابن عمر يوتر على راحلته ؟ قال نعم ابن عمر ؟ وروينا عن وهل للوتر فضيلة على سائر التطوع عن أيوب السختياني أنه سئل عن من لم يوتر حتى أصبح ؟ قال سيوتر يوما آخر . سعيد بن جبير
وروينا عن عن قتادة أنه سأله رجل عن الوتر ، فقال سعيد بن المسيب : أوتر النبي صلى الله عليه وسلم وإن تركت فليس عليك ، وصلى الضحى ، وإن تركت فليس عليك ; وصلى ركعتين قبل الظهر وركعتين بعدها ، وإن تركت فليس عليك . سعيد
وعن ، قلت ابن جريج : أواجب الوتر وركعتان أمام الصبح أو شيء من الصلاة قبل المكتوبة أو بعدها ؟ قال لا ، وهو قول لعطاء الشافعي وجمهور المتقدمين والمتأخرين . وداود
وأما فإن كان ذهب إلى أن الوتر فرض فقد ذكرنا بطلان هذا القول ، وإن كان ذهب إلى أن الوتر واجب لا فرض ، ولا تطوع ; فهو قول فاسد ، وقد ذكرنا إبطاله في صدر هذه المسألة . أبو حنيفة
وقال : ليس فرضا ، ولكن من تركه أدب ، وكانت جرحة في شهادته . مالك
قال : وهذا خطأ بين ; لأنه لا يخلو تاركه أن يكون عاصيا لله عز وجل أو غير عاص ; فإن كان عاصيا لله تعالى فلا يعصي أحد بترك ما لا يلزمه وليس فرضا ; فالوتر إذن فرض ، وهو لا يقول بهذا ، وإن قال : بل هو غير عاص - لله تعالى . أبو محمد
قيل : فمن الباطل أن يؤدب من لم يعص الله تعالى ، أو أن تجرح شهادة من ليس عاصيا لله عز وجل ; لأن من لم يعص الله عز وجل فقد أحسن ، والله تعالى يقول : { ما على المحسنين من سبيل } .
قال : إلا أن الوتر أوكد التطوع ، للأحاديث التي ذكرنا من أمر رسول [ ص: 7 ] الله صلى الله عليه وسلم ; ثم أوكدها بعد الوتر صلاة الضحى وركعتان عند دخول المسجد ، وصلاة من صلى في جماعة ثم وجد جماعة يصلون تلك الصلاة ; وصلاة الكسوف وأربع بعد الجمعة { أبو محمد ; لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر بهذه } ، وما أمر به عليه السلام فهو أوكد مما لم يأمر به .
روينا من طريق عن مالك عن عامر بن عبد الله بن الزبير عمرو بن سليم الزرقي عن أبي قتادة السلمي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { } . إذا دخل أحدكم المسجد فليركع ركعتين قبل أن يجلس
وروينا عن عبد الوارث بن سعيد التنوري ثنا حدثني أبو التياح عن أبو عثمان النهدي قال { أبي هريرة } . أوصاني خليلي صلى الله عليه وسلم بصيام ثلاثة أيام من كل شهر وركعتي الضحى وأن أوتر قبل أن أرقد
وروينا عن عن شعبة أبي نعامة عن عبد الله بن الصامت عن قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبي ذر } . فصل الصلاة لوقتها ، ثم إن أقيمت الصلاة فصل معهم فإنها زيادة خير
وروينا عن حدثنا سفيان بن عيينة سهل بن أبي صالح عن أبيه عن قال { أبي هريرة } . أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي أربعا بعد الجمعة
وروينا عن الحسن بن أبي بكرة { إن الشمس والقمر لا ينكسفان لموت أحد فإذا رأيتموهما فصلوا وادعوا حتى ينكشف ما بكم } .
حدثنا حمام حدثنا عباس بن أصبغ ثنا ثنا ابن أيمن ثنا ابن وضاح حامد بن يحيى البلخي حدثنا ثنا سفيان بن عيينة عن أبيه عن سهيل بن أبي صالح قال { أبي هريرة } . أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نصلي بعد الجمعة أربعا
[ ص: 8 ] ثم بعد هذه سائر التي ذكرنا ; لأنه لم يأت بها أمر ، لكن جاء بها عمل منه عليه السلام وترغيب ، وأما كراهتنا ترك ذلك فلأنه فعل خير ، قال الله تعالى : { وافعلوا الخير } .