[ ص: 252 ] مسألة : ، وكل من ذكرنا يكون إماما فيها ، راتبا وغير راتب ، وسواء فيما ذكرنا - من وجوب الجمعة - المسافر في سفره ، والعبد ، والحر ، والمقيم كسائر الناس ، ويصليها المسجونون ، والمختفون ركعتين في جماعة بخطبة ، كان هنالك سلطان أو لم يكن ، وإن وتصلى في كل قرية صغرت أم كبرت : جاز ذلك ؟ ورأى صليت الجمعة في مسجدين في القرية فصاعدا ، أبو حنيفة ، ومالك : أن لا جمعة على عبد ، ولا مسافر . والشافعي
واحتج لهم من قلدهم في ذلك بآثار واهية لا تصح : أحدها مرسل ، والثاني فيه هريم وهو مجهول والثالث فيه الحكم بن عمرو ، ، وهما مجهولان ولا يحل الاحتجاج بمثل هذا ؟ ولو شئنا لعارضناهم بما رويناه من طريق وضرار بن عمرو عن عبد الرزاق قال { ابن جريج } ولكننا ولله الحمد في غنى بالصحيح عما لا يصح ؟ واحتجوا بأن { بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جمع بأصحابه في سفر ، وخطبهم يتوكأ على عصا رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يجهر في صلاة الظهر بعرفة ، وكان يوم جمعة } قال : وهذه جرأة عظيمة وما روى قط أحد : أنه عليه السلام لم يجهر فيها ، والقاطع بذلك كاذب على الله تعالى وعلى رسوله صلى الله عليه وسلم قد قفا ما لا علم به ؟ وقد قال علي وغيره : إن عطاء عرفة يوم جمعة جهر الإمام ؟ قال وافق يوم : ولا خلاف في أنه عليه السلام خطب وصلى ركعتين وهذه صلاة الجمعة ، وحتى لو صح لهم أنه عليه السلام لم يجهر لما كان لهم في ذلك حجة أصلا ، [ ص: 253 ] لأن الجهر ليس فرضا ، ومن علي ، فصلاته تامة ، لما قد ذكرنا قبل ؟ ولجأ بعضهم إلى دعوى الإجماع على ذلك وهذا مكان هان فيه الكذب على مدعيه . أسر في صلاة جهر ، أو جهر في صلاة سر
وروينا عن رحمه الله أنه قال : من ادعى الإجماع كذب - : حدثنا أحمد بن حنبل محمد بن سعيد بن نبات ثنا أحمد بن عبد البصير ثنا ثنا قاسم بن أصبغ محمد بن وضاح ، ومحمد بن عبد السلام الخشني - : قال : ثنا ابن وضاح ثنا موسى بن معاوية - : وقال وكيع محمد بن عبد السلام الخشني : ثنا ثنا محمد بن المثنى - : ثم اتفق عبد الرحمن بن مهدي ، وكيع وعبد الرحمن كلاهما عن عن شعبة عن عطاء بن أبي ميمونة أبي رافع عن : أنهم كتبوا إلى أبي هريرة يسألونه عن الجمعة وهم عمر بن الخطاب بالبحرين ؟ فكتب إليهم : أن جمعوا حيثما كنتم ؟ وقال : إنه كتب . وكيع
وعن : ثنا أبي بكر بن أبي شيبة عن أبو خالد الأحمر قال : سألت [ ص: 254 ] عبد الله بن يزيد : سعيد بن المسيب ؟ قال : على من سمع النداء على من تجب الجمعة
وعن القعنبي عن داود بن قيس سمعت وقيل له : يا أبا عمرو بن شعيب إبراهيم ، على من تجب الجمعة ؟ قال : على من سمع النداء فعمم سعيد ، وعمرو : كل من سمع النداء ، ولم يخصا عبدا ، ولا مسافرا ، من غيرهما .
وعن عن عبد الرزاق سعيد بن السائب بن يسار ثنا صالح بن سعد المكي أنه كان مع وهو متبد بالسويداء في إمارته على عمر بن عبد العزيز الحجاز ، فحضرت الجمعة ، فهيئوا له مجلسا من البطحاء ، ثم أذن المؤذن بالصلاة ، فخرج إليهم ، فجلس على ذلك المجلس ، ثم أذنوا أذانا آخر ، ثم خطبهم ، ثم أقيمت الصلاة ، فصلى بهم ركعتين وأعلن فيهما بالقراءة ، ثم قال لهم : إن الإمام يجمع حيثما كان . عمر بن عبد العزيز
وعن الزهري مثل ذلك ، وقال ، إذا سئل عن المسافر يدخل قرية يوم الجمعة فينزل فيها ؟ قال : إذا سمع الأذان فليشهد الجمعة
ومن طريق عن حماد بن سلمة أبي مكين عن عكرمة قال : إذا كانوا سبعة في سفر فجمعوا - يحمد الله ويثنى عليه ويخطب في الجمعة ، والأضحى والفطر [ ص: 255 ] ومن طريق عن عبد الرزاق عن معمر : أيما عبد كان يؤدي الخراج فعليه أن يشهد الجمعة ، فإن لم يكن عليه خراج أو شغله عمل سيده فلا جمعة عليه . قتادة
قال : الفرق بين عبد عليه الخراج ، وبين عبد لا خراج عليه : دعوى بلا برهان فقد ظهر كذبهم في دعوى الإجماع علي
فلجئوا إلى أن قالوا : روي عن : لا جمعة على مسافر وعن علي بن أبي طالب : أنه كان أنس بنيسابور سنة أو سنتين فكان لا يجمع .
وعن : أنه كان عبد الرحمن بن سمرة بكابل شتوة أو شتوتين فكان لا يجمع .
قال : حصلنا من دعوى الإجماع على ثلاثة قد خالفتموهم أيضا ; لأن علي عبد الرحمن ، رضي الله عنهما كانا لا يجمعان ، وهؤلاء يقولون : يجمع المسافر مع الناس ويجزئه . وأنسا
ورأى أن يستخلف بالناس من يصلي بضعفائهم صلاة العيد في المسجد أربع ركعات ، وهم لا يقولون : بهذا . علي
وهذا يرى الجمعة عموما قال عمر بن الخطاب : قال الله تعالى : { علي يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع } - : قال : فهذا خطاب لا يجوز أن يخرج منه مسافر ولا عبد بغير نص من رسول الله صلى الله عليه وسلم وكذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم وحكمه وفعله أن صلاة الخوف ركعة ؟ وأما علي - : فإن إمامة المسافر ، والعبد في الجمعة ، أبا حنيفة ، والشافعي ، وأصحابهم قالوا : يجوز ذلك ، ومنع وأبا سليمان من ذلك - : وهو خطأ . مالك
أول ذلك - قوله : إن كانت لهما جمعة فما الفرق بين هذا وبين جواز إمامتهما فيها مع قول النبي صلى الله عليه وسلم { المسافر والعبد إذا حضرا الجمعة } و " { وليؤمكم أكبركم } ؟ فلم يخص عليه السلام جمعة من غيرها ، ولا مسافرا ، ولا عبدا من حر مقيم ، ولا جاء قط عن أحد من الصحابة منع العبد من الإمامة فيهما ، بل قد صح أنه كان عبد يؤم القوم أقرؤهم لعثمان رضي الله عنه أسود مملوك أميرا له على الربذة يصلي خلفه رضي الله عنه [ ص: 256 ] وغيره من الصحابة الجمعة وغيرها ; لأن أبو ذر الربذة بها جمعة ؟ وأما قولنا : كان هنالك سلطان أو لم يكن - : فالحاضرون من مخالفينا موافقون لنا في ذلك إلا ، وفي هذا خلاف قديم ؟ وقد قلنا : لا يجوز تخصيص عموم أمر الله تعالى بالتجميع بغير نص جلي ولا فرق بين الإمام في الجمعة والجماعة فيها وبين الإمام في سائر الصلوات والجماعة فيها ، فمن أين وقع لهم رد الجمعة خاصة إلى السلطان دون غيرها ؟ وأما قولنا : تصلى الجمعة في أي قرية صغرت أم كبرت - : فقد صح عن أبا حنيفة رضي الله عنه : لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع ، وقد ذكرنا خلاف علي لذلك ، وخلافهم عمر في غير ما قصة . لعلي
وقال : لا تكون الجمعة إلا في قرية متصلة البنيان ؟ قال مالك : هذا تحديد لا دليل عليه ، وهو أيضا فاسد ، لأن ثلاثة دور قرية متصلة البنيان ، وإلا فلا بد له من تحديد العدد الذي لا يقع اسم قرية على أقل منه ، وهذا ما لا سبيل إليه . علي
وقال بعض الحنفيين : لو كان ذلك لكان النقل به متصلا ؟ فيقال له : نعم قد كان ذلك ، حتى قطعه المقلدون بضلالهم عن الحق ، وقد شاهدنا جزيرة " ميورقة " يجمعون في قراها ، حتى قطع ذلك بعض المقلدين ، وباء بإثم النهي عن صلاة الجمعة . لمالك
وروينا أن كان يمر على أهل المياه وهم يجمعون فلا ينهاهم عن ذلك . ابن عمر
وعن : أنه كان يأمر أهل المياه أن يجمعوا ، ويأمر أهل كل [ ص: 257 ] قرية لا ينتقلون بأن يؤمر عليهم أمير يجمع بهم ؟ ويقال لهم : لو كان قولكم حقا وصوابا لجاء به النقل المتواتر ، ولما جاز أن يجهله عمر بن عبد العزيز ، وقبله أبوه ابن عمر ، عمر والزهري وغيره ، ولا حجة في قول قائل دون رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وأما قولنا : إن الجمعة جائزة في مسجدين فصاعدا في القرية - : فإن أصحاب حكموا عن أبي حنيفة : أنها لا تجزئ الجمعة إلا في موضع واحد من المصر ، إلا أن يكون جانبان بينهما نهر ، فيجزئ أن يجمع في كل جانب منهما . أبي يوسف
ورووا عن ، أبي حنيفة ، ومحمد بن الحسن أيضا : أن الجمعة تجزئ في موضعين في المصر ، ولا تجزئ في ثلاثة مواضع ؟ وكلا هذين المذهبين من السخف حيث لا نهاية له لأنه لا يعضدهما قرآن ، ولا سنة ، ولا قول صاحب ، ولا إجماع ولا قياس وقد رووا عن وأبي يوسف : أنها تجزئ في ثلاثة مواضع من المصر . محمد بن الحسن
فإن قالوا : صلى العيد في المصلى واستخلف من صلى بالضعفاء في المسجد ، فهما موضعان وهذا لا يقال : رأيا ؟ قلنا لهم : فقولوا : إنه لا تجزئ الجمعة إلا في المصلى . علي
وفي الجامع فقط ، وإلا فقد خالفتموه ، كما خالفتموه في هذا الخبر نفسه ، إذ أمر رضي الله عنه الذي استخلف أن يصلي بهم العيد أربعا - : فقلتم : هذا شاذ فيقال لكم : بل الشاذ هو الذي أجزتم ، والمعروف هو الذي أنكرتم وما جعل الله تعالى آراءكم قياسا على الأمة ، ولا عيارا في دينه وهلا قلتم ، في هذا الخبر كما تقولون في خبر المصراة وغيره : هذا اعتراض على الآية ; لأن الله تعالى عم الذين آمنوا بافتراض السعي إلى الجمعة ، فصار تخصيصه اعتراضا على القرآن بخبر شاذ غير قوي النقل في أن ذلك لا يجب إلا في مصر جامع ؟
ومنع ، مالك : من والشافعي . التجميع في موضعين في المصر
ورأينا المنتسبين إلى يحدون في أن لا يكون بين الجامعين أقل من ثلاثة أميال وهذا عجب عجيب ، ولا ندري من أين جاء هذا التحديد ؟ ولا كيف دخل في [ ص: 258 ] عقل ذي عقل حتى يجعله دينا ؟ نعوذ بالله من الخذلان . مالك
قال الله تعالى : { إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم } فلم يقل عز وجل : في موضع ولا موضعين ولا أقل ، ولا أكثر { وما كان ربك نسيا } .
فإن قالوا : قد كان أهل العوالي يشهدون مع النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة .
قلنا : نعم وقد كان أهل ذي الحليفة يجمعون معه أيضا عليه السلام ، روينا ذلك من طريق الزهري ، ولا يلزم هذا عندكم ، وقد كانوا يشهدون معه عليه السلام سائر الصلوات ، ولم يكن ذلك دليلا على أن سائر قومهم لا يصلون الجماعات في مساجدهم ، ولم يأت قط نص بأنهم كانوا لا يجمعون سائر قومهم في مساجدهم ، ولا يحدون هذا أبدا ؟ ومن البرهان القاطع على صحة قولنا : أن الله تعالى إنما افترض في القرآن إذا نودي لها ، لا قبل ذلك ، وبالضرورة أن من كان على نحو نصف ميل ، أو ثلثي ميل لا يدرك الصلاة أصلا إذا راح إليها في الوقت الذي أمره الله تعالى بالرواح إليها . السعي إلى صلاة الجمعة
فصح ضرورة أنه لا بد لكل طائفة من مسجد يجمعون فيه إذا راحوا إليه في الوقت الذي أمروا بالرواح إليه فيه أدركوا الخطبة والصلاة ، ومن قال غير هذا فقد أوجب الرواح حين ليس بواجب ، وهذا تناقض وإيجاب ما ليس عندهم واجبا .
ومن أعظم البرهان عليهم : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتى المدينة وإنما هي قرى صغار مفرقة ، بنو مالك بن النجار في قريتهم حوالي دورهم أموالهم ونخلهم ، وبنو عدي بن النجار في دارهم كذلك ، وبنو مازن بن النجار كذلك ، وبنو سالم كذلك ، وبنو ساعدة كذلك ، وبنو الحارث بن الخزرج كذلك ، وبنو عمرو بن عوف كذلك ، وبنو عبد الأشهل كذلك ، وسائر بطون الأنصار كذلك ، فبنى مسجده في بني مالك بن النجار ، وجمع فيه في قرية ليست بالكبيرة ، ولا مصر هنالك .
فبطل قول من ادعى أن لا جمعة إلا في مصر ، وهذا أمر لا يجهله أحد لا مؤمن ولا كافر ، بل هو نقل الكواف من شرق الأرض إلى غربها ، وبالله تعالى التوفيق .
[ ص: 259 ] وقول ، " حيثما كنتم " إباحة للتجميع في جميع المساجد ؟ وروينا عن عمر بن الخطاب عمرو بن دينار أنه قال : إذا كان المسجد تجمع فيه للصلاة فلتصل فيه الجمعة .
ومن طريق عن عبد الرزاق : قلت ابن جريج : أرأيت أهل لعطاء بن أبي رباح البصرة لا يسعهم المسجد الأكبر كيف يصنعون ؟ قال : لكل قوم مسجد يجمعون فيه ثم يجزئ ذلك عنهم .
وهو قول ، وبه نأخذ ؟ أبي سليمان