542 - مسألة : ولا يحل البيع من أثر استواء الشمس ، ومن أول أخذها في الزوال والميل إلى أن تقضى صلاة الجمعة
فإن كانت قرية قد منع أهلها الجمعة أو كان ساكنا بين الكفار ، ولا مسلم معه : فإلى أن يصلي ظهر يومه ، أو يصلوا ذلك كلهم أو بعضهم ، فإن لم يصل : فإلى أن يدخل أول وقت العصر .
ويفسخ البيع حينئذ أبدا إن وقع ولا يصححه خروج الوقت ، سواء كان التبايع من مسلمين ، أو من مسلم وكافر ، أو من كافرين .
ولا يحرم حينئذ : نكاح ، ولا إجازة ، ولا سلم ، ولا ما ليس بيعا ؟ وقال كذلك في البيع الذي فيه مسلم ، وفي النكاح ، وعقد الإجارة ، والسلم ، وأباح الهبة ، والقرض ، والصدقة ؟ وقال مالك ، أبو حنيفة : البيع ، والنكاح ، والإجارة ، والسلم : جائز كل ذلك في الوقت المذكور . والشافعي
قال الله تعالى : { يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله }
: هو أول الزوال ، فحرم الله تعالى البيع إلى انقضاء الصلاة وأباحه بعدها ، فهو كما قال عز وجل ، ولم يحرم تعالى نكاحا ، ولا إجارة ، ولا سلما ، ولا ما ليس [ ص: 291 ] بيعا { ووقت النداء وما كان ربك نسيا } . و { تلك حدود الله فلا تعتدوها } .
وكل ما ذكرنا فجائز أن يكون وهو ناهض إلى الصلاة غير متشاغل بها فجاز كل ذلك ، لأنه ليس مانعا من السعي إلى الصلاة .
فظهر تناقض قول وفساده فإن كان جعل علة كل ذلك : التشاغل ، سألناهم عمن لم يتشاغل ؟ بل مالك ؟ فمن قولهم : يفسخ ، فبطل تعليلهم بالتشاغل ، فإن لم يعللوا بالتشاغل فقد قاسوا على غير علة ، وهو باطل عند من يقول : بالقياس ، فكيف عند من لا يقول به ؟ فإن قال : النكاح بيع ، قلنا : هذا باطل ما سماه الله تعالى قط بيعا ولا رسوله صلى الله عليه وسلم . باع أو أنكح ، أو أجر وهو ناهض إلى الجمعة ، أو هو في المسجد ينتظر الصلاة
ونسألهم عمن ؟ فمن قولهم : لا يحنث واعتل حلف أن لا يبيع : فنكح أو أجر ، أبو حنيفة : بأن النهي عن ذلك إنما هو للتشاغل عن الجمعة فقط والشافعي
قال : وهذه دعوى كاذبة ، وقول على الله تعالى بغير علم ، وهذا لا يحل لأحد أن يخبر عن مراد الله تعالى بغير أن يخبر بذلك الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم . أبو محمد
ولو أراد الله تعالى ذلك لبينه ولم يكلنا إلى خطأ رأي وظنه ، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { أبي حنيفة } إياكم والظن ، فإن الظن أكذب الحديث
وقال تعالى : { وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } .
فإن قالوا : قد علمنا ذلك ؟ قلنا : ومن أين علمتموه ؟ فإن ادعيتم ضرورة كذبتم ، لأننا غير مضطرين إلى علم ذلك ، والطبيعة واحدة ، وإن ادعوا دليلا سئلوه ، ولا سبيل لهم إليه ، فلم يبق إلا الظن وقالوا : نحن منهيون عن البيع في الصلاة ، ولو : نفذ البيع ؟ فقلنا لهم : إن البيع لا يجوز أن يكون في الصلاة أصلا ; لأنه إذا وقع عمدا [ ص: 292 ] أبطلها ، فليس حينئذ في صلاة ، وإذا لم يكن في صلاة فبيعه جائز ، وإن باع امرؤ في صلاته فهو كله باطل ; لأن الحال التي هو فيها مانعة من ذلك ، وهي حال ثابتة ، فما ضادها فباطل . ظن أنه ليس في صلاة فباع ، أو نكح ، أو أنكح ، أو عمل ما لا يجوز في الصلاة
وكذلك من - فهو كله باطل ، لأنه منهي عن كل ذلك . باع ، أو نكح ، أو طلق ، أو أعتق ، ولم يبق عليه من الوقت إلا مقدار إحرامه بالتكبير - وهو ذاكر لذلك
وقال عليه السلام : { } فكل من عمل أمرا بخلاف ما أمر به فهو مردود بنص حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم . من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد
روينا من طريق عكرمة عن " لا يصلح ابن عباس حين ينادى بالصلاة فإذا قضيت الصلاة فاشتر وبع " . البيع يوم الجمعة
وعن القاسم بن محمد : أنه فسخ بيعا وقع في الوقت المذكور ؟ قال : وهذا مما تناقض فيه الشافعيون ، والحنفيون ، لأنهم لا يجيزون خلاف الصاحب الذي لا يعرف له من الصحابة مخالف ، وهذا مكان لا يعرف أبو محمد فيه مخالف من الصحابة رضي الله عنهم ؟ وتناقض المالكيون أيضا ، لأنهم حملوا قوله تعالى : { لابن عباس وذروا البيع } : على التحريم ، ولم يحملوا أمره تعالى بتمتيع المطلقة على الإيجاب
وقالوا : لفظة " ذر " لا تكون إلا للتحريم ؟ فقلنا : هذا باطل ، وقد قال تعالى : { ثم ذرهم في خوضهم يلعبون } فهذه للوعيد لا للتحريم
وأما منعنا أهل الكفر من البيع حينئذ : فلقوله تعالى : { وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله } فوجب الحكم بين أهل الكفر بحكم أهل الإسلام ولا بد .
وقال تعالى : { وأن احكم بينهم بما أنزل الله }