874 - مسألة :
ومن لمرض ، أو صداع ، أو لقمل ، أو لجرح به ، أو نحو ذلك مما يؤذيه - فليحلقه ، وعليه أحد ثلاثة أشياء هو مخير في أيها شاء لا بد له من أحدها . احتاج إلى حلق رأسه - وهو محرم
إما أن يصوم ثلاثة أيام ، وإما أن يطعم ستة مساكين متغايرين لكل مسكين منهم نصف صاع تمر ولا بد ، وإما أن يهدي شاة يتصدق بها على المساكين ، أو يصوم ، أو يطعم ، أو ينسك الشاة في المكان الذي حلق فيه أو في غيره .
فإن حلق رأسه لغير ضرورة ، أو حلق بعض رأسه دون بعض عامدا عالما أن ذلك [ ص: 228 ] لا يجوز بطل حجه ، فلو قطع من شعر رأسه ما لا يسمى به حالقا بعض رأسه فلا شيء عليه ، لا إثم ولا كفارة بأي وجه قطعه ، أو نزعه .
برهان ذلك - : قول الله عز وجل { فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك } فكان في هذه الآية التخيير في أي هذه الثلاثة الأعمال أحب ، وليس فيها بيان كم يصوم ؟ ولا بكم يتصدق ؟ ولا بماذا ينسك ؟ وفي الآية أيضا حذف بينه الإجماع ، والسنة وهو : فحلق رأسه .
وروينا من طريق عن حماد بن سلمة عن داود بن أبي هند الشعبي عن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى في هذا الخبر { كعب بن عجرة } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له : إن شئت فانسك نسيكة ، وإن شئت فصم ثلاثة أيام ، وإن شئت فأطعم ثلاثة آصع من تمر لستة مساكين
وروينا من طريق حدثني مسلم يحيى بن يحيى نا عن خالد بن عبد الله الطحان خالد الحذاء عن عن أبي قلابة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى { كعب بن عجرة الحديبية فقال له : آذاك هوام رأسك ؟ قال : نعم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم احلق ، ثم اذبح شاة نسكا ، أو صم ثلاثة أيام ، أو اطعم ثلاثة آصع من تمر : على ستة مساكين } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر به زمن
قال : هذا أكمل الأحاديث وأبينها ، وقد جاء هذا الخبر من طرق - : في بعضها { أبو محمد } . أو نسك ما تيسر
وبعضها رويناه من طريق عن محمد بن جعفر عن شعبة عبد الرحمن بن الأصبهاني عن : أن عبد الله بن معقل أخبره بهذا الخبر ، وفيه { كعب بن عجرة } . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له حينئذ : أو أطعم ستة مساكين نصف صاع طعاما لكل مسكين
وروي أيضا من طريق بشر بن عمر الزهراني عن عن [ ص: 229 ] شعبة عبد الرحمن بن الأصبهاني عن عن عبد الله بن معقل ، فذكر فيه نصف صاع حنطة لكل مسكين . كعب بن عجرة
وخبر من طريق أبي داود - : نا نا محمد بن منصور نا أبي عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد [ قال ] حدثني محمد بن إسحاق أبان هو ابن صالح - عن عن الحكم بن عتيبة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر فيه { كعب بن عجرة } . أو إطعام ستة مساكين فرقا من زبيب
وخبر من طريق - : نا ابن أبي شيبة عبد الله بن نمير زكريا بن أبي زائدة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن أخبرني عبد الله بن معقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الحديث ; وفيه { كعب بن عجرة } . أنه عليه السلام قال له : هل عندك نسك ؟ قال : ما أقدر عليه ، فأمره أن يصوم ثلاثة أيام ، أو يطعم ستة مساكين ، لكل مسكين نصف صاع
ومن طريق نا سعيد بن منصور أبو عوانة عن عبد الرحمن بن الأصبهاني عن { عبد الله بن معقل أخبره أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في هذا الخبر : هل تجد من نسيكة ؟ قال : لا ، قال : وهي شاة ؟ قال : فصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ثلاثة آصع بين ستة مساكين كعب بن عجرة } . أن
ومن طريق أبي داود نا نا محمد بن المثنى - أنا عبد الوهاب هو ابن عبد المجيد الثقفي عن داود بن أبي هند الشعبي { ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في هذا الحديث نفسه أمعك دم ؟ قال : لا فذكر الحديث وفيه أنه عليه السلام قال له : فصم ثلاثة أيام ، أو تصدق بثلاثة آصع من تمر بين ستة مساكين كعب بن عجرة } لم يسمعه عن الشعبي من كعب على ما ذكرنا قبل .
ونذكر الآن إن شاء الله تعالى كما روينا من طريق نا محمد بن الجهم جعفر الصائغ نا نا محمد بن الصباح إسماعيل بن زكريا عن أشعث عن الشعبي عن عن عبد الله بن معقل قال : { كعب بن عجرة } . إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في هذا الخبر : أمعك هدي ؟ قلت : ما أجده ، قال : إنه ما استيسر ؟ قلت : ما أجده ؟ قال : فصم ثلاثة أيام ، أو أطعم ستة مساكين لكل مسكين صاعا من تمر
قال : فهذه الأحاديث المضطربة كلها إنما هي في رواية [ ص: 230 ] أبو محمد عن عبد الله بن معقل ، والذي ذكرناه أولا من طريق كعب بن عجرة عن عبد الرحمن بن أبي ليلى هو الصحيح المتفق عليه - : أما هذا الخبر الذي فيه لكل مسكين صاع تمر فهو عن كعب بن عجرة أشعث الكوفي عن الشعبي وهو ضعيف ألبتة ; وفي هذا الخبر الذي قبله من طريق عن داود الشعبي عن كعب : إيجاب الترتيب ، وأن لا يجزي الصيام ، ولا الصدقة إلا عند عدم النسك ، وذلك الخبر قد بينا أن الشعبي لم يسمعه من كعب ، فحصل منقطعا : فسقطا معا .
وأما رواية ابن أبي زائدة ، وأبي عوانة عن الأصبهاني عن ففيها أيضا : إيجاب الترتيب ، وقد خالفهما عبد الله بن معقل عن شعبة ابن الأصبهاني عن فذكره بالتخيير بين النسك أو الصوم ، أو الصدقة ، ثم وجدنا عبد الله بن معقل قد اختلف عليه أيضا في هذا الخبر - : فروى عنه شعبة : نصف صاع طعاما لكل مسكين . محمد بن جعفر
وروى عنه : نصف صاع حنطة لكل مسكين . بشر بن عمر
وروى عنه : ثلاثة آصع بين ستة مساكين ، ولم يذكر لماذا . أبو داود الطيالسي
قال : وهذا كله خبر واحد في قصة واحدة بلا خلاف من أحد ، وبنصوص هذه الأخبار كلها أيضا ، فصح أن جميعها وهم إلا واحدا فقط - : فوجدنا أصحاب أبو محمد قد اختلفوا عليه ، فوجب ترك ما اضطربوا فيه ، إذ ليس بعضه أولى من بعض ، ووجب الرجوع إلى رواية شعبة الذي لم يضطرب الثقات من رواته فيه ، ولو كان ما ذكر في هذه الأخبار عن قضايا شتى لوجب الأخذ بجميعها وضم بعضها إلى بعض ، وأما في قضية واحدة فلا يمكن ذلك أصلا . عبد الرحمن بن أبي ليلى
ثم وجدنا أبان بن صالح قد ذكر في روايته { } فرقا من زبيب وأبان لا يعدل في الحفظ عن بداود بن أبي هند الشعبي عن ، ولا عبد الرحمن بن أبي ليلى عن بأبي قلابة ، ولا بد من أخذ إحدى هاتين الروايتين ، إذ لا يمكن جمعهما ; لأنها كلها في قضية واحدة ، في مقام واحد ، في رجل واحد ، في وقت واحد ، فوجب أخذ ما رواه عبد الرحمن بن أبي ليلى ، أبو قلابة والشعبي عن عن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، لثقتهما ولأنها مبينة لسائر الأحاديث - وبالله تعالى التوفيق . [ ص: 231 ] كعب بن عجرة
وأما من حلق رأسه لغير ضرورة عالما عامدا بأن ذلك لا يجوز ، أو حلق بعض رأسه وخلى البعض عالما بأن ذلك لا يجوز : فقد عصى الله تعالى ، وكل معصية فسوق ، وقد بينا أن الفسوق يبطل الإحرام - وبالله تعالى التوفيق - ولا شيء في ذلك ; لأن الله تعالى لم يوجب الكفارة إلا على من حلق رأسه لمرض ، أو أذى به فقط { وما كان ربك نسيا } .
ولا يجوز أن يوجب فدية ، أو غرامة ، أو صيام ، لم يوجبه الله تعالى ولا رسوله صلى الله عليه وسلم فهو شرع في الدين لم يأذن به الله تعالى ، ولا يجوز قياس العاصي على المطيع لو كان القياس حقا فكيف وهو كله باطل ؟ وأما من قطع من شعر رأسه ما لا يسمى بذلك حالقا بعض رأسه فإنه لم يعص ولا أتى منكرا ; لأن الله تعالى لم ينه المحرم إلا عن حلق رأسه ونهى جملة على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم عن حلق بعض الرأس دون بعض وهو القزع .
روينا من طريق أبي داود نا نا أحمد بن حنبل نا عبد الرزاق عن معمر عن أيوب السختياني عن نافع قال : { ابن عمر } . رأى النبي صلى الله عليه وسلم صبيا قد حلق بعض شعره وترك بعضه فنهاهم عن ذلك ، وقال : احلقوا كله ، أو اتركوا كله
قال : وجاءت أخبار لا تصح ، منها - : من طريق أبو محمد عن الليث عن رجل أنصاري { نافع أن يحلق ويهدي بقرة كعب بن عجرة } وهذا مرسل عن مجهول . أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر
ومن طريق عن عبد الرزاق عن عبد الله بن عمر عن نافع سليمان بن محمد بن كعب بن عجرة : أن كعبا ذبح بقرة بالحديبية - ضعيف جدا . عبد الله بن عمر
ومن طريق إسماعيل بن أمية عن : أن رجلا أصابه مثل الذي أصاب محمد بن يحيى بن حبان فسأل كعب بن عجرة ابنا عمر عما كان أبوه ذبح لكعب بن عجرة بالحديبية في فدية رأسه ؟ فقال : بقرة - محمد بن يحيى لم يدرك . عمر
ومن طريق ، وغيره ، عن نافع قال : سأل سليمان بن يسار ابنا عمر بماذا افتدى أبوه ؟ فقال ببقرة - لكعب بن عجرة سليمان لم يدرك . [ ص: 232 ] عمر
ومن طريق عن أبي معشر المدني عن نافع قال : افتدى ابن عمر من أذى كان برأسه فحلقه ببقرة قلدها وأشعرها - كعب بن عجرة أبو معشر ضعيف .
قال : واختلف السلف فروينا عن أبو محمد ، ابن عباس ، وعلقمة ، ومجاهد ، وإبراهيم النخعي ، وقتادة ، وطاوس ، كلهم قال في وعطاء : صيام ثلاثة أيام ، أو نسك شاة ، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع . فدية الأذى
وصح عن الحسن البصري ، ، ونافع مولى ابن عمر وعكرمة في فدية الأذى : نسك شاة ، أو صيام عشرة أيام ، أو إطعام عشرة مساكين .
روينا ذلك - : من طريق عن سعيد بن منصور : أنا هشيم عن منصور بن المعتمر الحسن فذكره .
ومن طريق عن بشر بن عمر عن شعبة عن قتادة الحسن ، وعكرمة فذكره .
ومن طريق عن حماد بن زيد عن أيوب السختياني ، نافع وعكرمة فذكره .
قال : وأما المتأخرون فإن أبو محمد قال : إن حلق من رأسه أقل من الربع لضرورة فعليه صدقة ما تيسر ، فإن حلق ربع رأسه فهو مخير بين نسك ما شاء ، ويجزئه شاة ، أو صيام ثلاثة أيام ، أو إطعام ستة مساكين لكل مسكين نصف صاع حنطة ، أو دقيق حنطة ، أو صاعا من تمر ، أو من شعير ، أو من زبيب . أبا حنيفة
قال : ويجزئ أن يغديهم ويعشيهم . أبو يوسف
قال : لا يجزئه إلا أن يعطيهم إياه . محمد بن الحسن
وقال في قول له آخر : إن حلق نصف رأسه فأقل صدقة ، وإن حلق أكثر من النصف فالفدية كما ذكرنا . أبو يوسف
وروي عن في قول له آخر إن حلق عشر رأسه فصدقة - فإن حلق أكثر من العشر فالفدية المذكورة . محمد بن الحسن
قالوا كلهم : فإن حلق رأسه لغير ضرورة فعليه دم لا يجزئه بدله صيام ، ولا إطعام - وقال : ليس في حلق بعض الرأس شيء . [ ص: 233 ] الطحاوي
قال : وهذه وساوس واستهزاء وشبيه بالهزل ، نعوذ بالله من البلاء ، ولا يحفظ هذا السخام عن أحد من خلق الله تعالى قبلهم . أبو محمد
وقال : إن حلق ، أو نتف شعرات ناسيا ، أو جاهلا أو عامدا فيطعم شيئا من طعام - فإن حلق ، أو نتف ما يكون فيه إماطة أذى فعليه الفدية المذكورة في حديث مالك . كعب بن عجرة
قال : وهذا أيضا قول لا دليل على صحته ولا يعرف عن أحد قبلهم . علي
وقال ، الشافعي والأوزاعي في نتف شعرة أو حلقها عامدا وناسيا : مد ، وفي الشعرتين كذلك مدان ، وفي الثلاث شعرات فصاعدا كذلك دم .
قال : إن أحب فشاة ، وإن شاء أطعم ستة مساكين لكل مسكين مدان مدان مما يأكل ، وإن شاء صام ثلاثة أيام . الشافعي
قال : روينا عن أبو محمد : ليس في الشعرتين ولا في الشعرة شيء ، وفي ثلاث شعرات دم - وكان عطاء نحا إلى هذا - وروينا عن الليث بن سعد عن ابن أبي شيبة عن حفص بن غياث عن هشام بن حسان الحسن ، قالا جميعا في ثلاث شعرات للمحرم : دم ، الناسي والعامد سواء . وعطاء
ومن طريق عن سعيد بن منصور عن المعتمر بن سليمان أبي إسماعيل المكي : قال : سألت عن محرم حلق شعرتين لدواء ؟ قال : عليه دم . عطاء
قال : روينا عن أبو محمد : نا أبي بكر بن أبي شيبة - عن أبو أسامة هو حماد بن أسامة عن جرير بن حازم الزبير بن الخريت عن عكرمة قال : كان لا يرى بأسا للمحرم أن يحلق عن الشجة - : قال ابن عباس : فأباح ذلك لم ير فيه شيئا ولا يعرف في ذلك مخالف من الصحابة رضي الله تعالى عنهم . علي
قال : وأما موضع النسك والإطعام والصيام فقد ذكرنا في باب المحصر نسك أبو محمد عن علي بن أبي طالب رضي الله تعالى عنهما في حلق رأسه لمرض [ ص: 234 ] كان به بالسقيا ولا نعلم لهما من الصحابة رضي الله تعالى عنهم مخالفا ونسك حلق الرأس لا يسمى هديا ; فإذا لم يكن فهو جائز في كل موضع ، إذ لم يوجب كون النسك الحسين بمكة قرآن ، ولا سنة ، ولا إجماع .
وروينا عن قال : ما كان من دم أو طعام طاوس فبمكة ، وأما الصوم فحيث شاء - وقال عطاء ما كان من دم وإبراهيم النخعي فبمكة وما كان من طعام أو صيام فحيث شاء .
وقال الحسن : كل دم واجب فليس لك أن تذبحه إلا بمكة .
روينا عن نا سعيد بن منصور جرير عن منصور عن قال : اجعل الفدية حيث شئت - : قال مجاهد : لا يجوز أن يخص بالنسك مكانا دون مكان إلا بقرآن ، أو سنة ثابتة . أبو محمد