( قال ) وإن ترك السعي فيما بين الصفا  ، والمروة  رأسا في حج أو عمرة  فعليه دم عندنا ، وهذا لأن السعي واجب ، وليس بركن عندنا ، الحج والعمرة في ذلك سواء ، وترك الواجب يوجب الدم ، وعند  الشافعي  رحمه الله تعالى السعي ركن لا يتم لأحد حج ولا عمرة إلا به ، واحتج في ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم { أنه سعى بين الصفا  والمروة  ، وقال لأصحابه رضي الله عنهم إن الله تعالى كتب عليكم السعي فاسعوا ، والمكتوب ركن   } ، وقال صلى الله عليه وسلم { ما أتم الله تعالى لامرئ حجة ولا عمرة لا يطوف لها بين الصفا  ، والمروة    } ، وجحتنا في ذلك قوله تعالى { فمن حج البيت  أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما    } ، ومثل هذا اللفظ للإباحة لا للإيجاب فيقتضي ظاهر الآية أن لا يكون واجبا ، ولكنا تركنا هذا الظاهر في حكم الإيجاب بدليل الإجماع فبقي ما وراءه على ظاهره ، وإنما ذكر هذا اللفظ ، والله أعلم ، لأصحابه ; لأنهم كانوا يتحرزون عن الطواف بهما لمكان الصنمين عليهما في الجاهلية إساف ، ونائلة فأنزل الله تعالى هذه الآية ثم بين في الآية أن المقصود حج البيت  بقوله تعالى { فمن حج البيت  أو اعتمر فلا  [ ص: 51 ] جناح عليه    } فكان ذلك دليلا على أن ما لا يتصل بالبيت  من الطواف يكون تبعا لما هو متصل بالبيت  ، ولا تبلغ درجة التبع درجة الأصل فتثبت فيه صفة الوجوب لا الركنية فكان السعي مع الطواف بالبيت  نظير الوقوف بالمشعر الحرام  مع الوقوف بعرفة  ، وذلك واجب لا ركن فهذا مثله ، وهو نظير رمي الجمار من حيث إنه مقدر بعدد السبع غير مختص بالبيت  ، ولا يصح استدلاله بظاهر الحديث الذي رواه ; لأن في ظاهره ما يدل على أن السعي مكتوب ، وبالاتفاق عين السعي غير مكتوب فإنه لو مشى في طوافه بينهما أجزأه ، وفي الحديث الآخر ما يدل على الوجوب دون الركينة ; لأنه علق التمام بالسعي ، وأداء أصل العبادة يكون بأركانها فصفة التمام بالواجب فيها ، وكذلك لو ترك منه أربعة أشواط  فهو كترك الكل في أنه يجب عليه الدم به ; لأن الأكثر يقوم مقام الكمال ، وإن ترك ثلاثة أشواط  أطعم لكل شوط مسكينا إلا أن يبلغ ذلك دما فحينئذ ينقص منه ما شاء ، وهو نظير طواف الصدر في ذلك ، وكذلك إن فعله راكبا فإن كان لعذر فلا شيء عليه ، وإن كان لغير عذر فعليه الدم في الأكثر ، والصدقة في الأقل لما بينا 
				
						
						
