ولو أجزأه ذلك من الطعام ، إن كان الطعام أرخص من الكسوة ، وإن كانت الكسوة أرخص من الطعام لم يجزئ ما لا يجزئ كل واحد منهما عن نفسه ; لأن المنصوص عليه ثلاثة أنواع ، فلو جوزنا إطعام خمسة مساكين وكسوة خمسة مساكين كان نوعا رابعا ، فيكون زيادة على المنصوص ، وهذا بخلاف ما إذا أدى إلى كل مسكين مدا من حنطة ونصف صاع من شعير ; لأن المقصود واحد ، وهو سد الجوعة ، فلا يصير نوعا رابعا ، فأما المقصود من الكسوة غير المقصود من الطعام ، ألا ترى أن الإباحة تجزئ في أحدهما دون الآخر ، ولو جوزنا النصف من كل واحد منهما كان نوعا رابعا ، ثم مراده من هذه المسألة إذا أطعم خمسة مساكين بطريق الإباحة والتمكين دون التمليك ، فإن التمليك فوق التمكين ، وإذا كان الطعام أرخص من الكسوة أمكن إكمال التمكين بالتمليك ، فتجوز الكسوة مكان الطعام ، وإن كانت الكسوة أرخص لا يمكن إقامة الطعام مقام الكسوة ; لأن التمكين دون التمليك ، وفي الكسوة التمليك معتبر فلا يمكن إقامة الكسوة مقام الطعام ; لأنه ليس فيهما وفاء بقيمة الطعام ، فأما إذا ملك الطعام خمسة مساكين ، وكسا خمسة مساكين ، فإنه يجوز على اعتبار أنه إن كان الطعام أرخص تقام الكسوة مقام الطعام ، وإن كانت الكسوة أرخص ، يقام الطعام مقام الكسوة لوجود التمليك فيها ، إليه أشار في باب الكسوة بعد هذا . ولو أطعم خمسة مساكين ، وكسا خمسة مساكين كان عليه أن يستقبل الصيام ; لأن إكمال الأصل بالبدل غير ممكن ، فإنهما لا يجتمعان ، وليس له أن يسترد من المساكين الخمسة ما أعطاهم ; لأنها صدقة قد تمت بالوصول إلى يد المساكين ، ومن كانت له دار يسكنها أو ثوب يلبسه ، ولا يجد شيئا سوى ذلك أجزأه الصوم في الكفارة ; لأن المسكن والثياب من أصول حوائجه ، وما لا بد منه فلا يصير به واجدا لما يكفر به ، بخلاف ما لو كان له عبد يخدمه ، فإن ذلك ليس من أصول الحوائج . أطعم خمسة مساكين ، ثم افتقر
ألا ترى أن كثيرا من الناس يتعيش من [ ص: 152 ] غير خادم له ; ولأن الرقبة منصوص عليها فمع وجود المنصوص عليه في ملكه لا يجزيه الصوم ، وفي الكتاب علل فقال : لأن الصدقة تحل له ، وهذا يؤيد مذهب رحمه الله الذي ذكره في الأمالي ، أنه إذا كان الفاضل من حاجته دون ما يساوي مائتين يجوز له التكفير بالصوم ; لأن الصدقة تحل له ، فلا يكون موسرا ولا غنيا ، فأما ظاهر المذهب أنه إن كان يملك فضلا عن حاجته مقدار ما يكفر به لا يجوز له التكفير بالصوم ; لأن المنصوص عليه الوجود دون الغنى واليسار . قال الله تعالى { أبي يوسف : فمن لم يجد } وهذا واجد ، وقد بينا في كتاب الإعتاق أن المعتبر في وجوب الضمان ملكه مقدار ما يؤدي به الضمان ، وإن كان اليسار منصوصا عليه هناك فهنا أولى ، وبينا في الظهار أنه لا يجزيه إلا عن أحدهما في قول لو أعطى كل مسكين صاعا عن ظهارين أبي حنيفة رحمهما الله تعالى بخلاف ما إذا اختلف جنس الكفارة ، فكذلك في كفارة اليمين ، وإن أعطى عشرة مساكين ثوبا عن كفارة يمين لم يجزه عن الكسوة ; لأن الواجب عليه لكل مسكين كسوته وهو ما يصير به مكتسيا ، وبعشر الثوب لا يكون مكتسيا ، ويجزي من الطعام إذا كان الثوب يساويه . وقال وأبي يوسف رحمه الله تعالى : لا يجزيه إلا بالنية ; لأنه يجعل الكسوة بدلا عن الطعام ، وهو إنما نواه بدلا عن نفسه فلا يمكن جعله بدلا عن غيره إلا بنية . وجه ظاهر الرواية أنه ناو للتكفير به وذلك يكفيه ، كما لو أدى الدراهم بنية الكفارة يجزيه ، وإن لم ينو أن يكون بدلا عن الطعام إلا أن أبو يوسف يقول : الدراهم ليست بأصل فأداؤها بنية الكفارة يكون قصدا إلى البدل ، فأما الكسوة أصل فأداؤها بنية الكفارة لا يكون قصدا إلى جعلها بدلا عن الطعام ، ولكنا نقول عشر الثوب ليس بأصل في الكسوة لكل مسكين ، فهو وأداء الدراهم سواء . أبا يوسف