ولو أن ، فإنه يأخذها وعقرها وقيمة ولدها في قول أمة أبقت من مولاها فالتحقت بأرض الحرب ثم أصابها المسلمون فاشتراها رجل منهم فوطئها فولدت له ثم جاء مولاها ، وكذلك لو كان الواطئ اشتراها من المشركين أبي حنيفة وعندهما أم ولد لمن استولدها ، ولا سبيل لمولاها عليها ، وهذا بناء على أن الآبق إلى دار الحرب لا يملكه المشركون بالأخذ في قول ; لأنهم لم يحرزوه لكونه في يد نفسه ، وهي يد محترمة ، فإذا لم يملكها المشتري منهم ولا المسلمون بالاستيلاء أيضا ، فمن اشتراها فوطئها فهو بمنزلة المغرور ; لأنه في الاستيلاء اعتمد ظاهر الشراء ، وولد المغرور حر [ ص: 30 ] بالقيمة ، وللمستحق أن يأخذ الجارية وعقرها وقيمة ولدها ، وبه قضى أبي حنيفة عمر رضي الله تعالى عنهما وعلي وعندهما هم يملكون الآبق إليهم بالأخذ ، فإذا ملكوها ملكها المشتري أيضا ، وقد استولدها فكانت أم ولد له ، ولا حق للمولى في استردادها ، والجعل واجب في رد المدبر وأم الولد ; لأنهما مملوكان يستكسبهما بمنزلة القن .
( فإن قيل : ) فأين ذهب قولكم إنه يستوجب الجعل بإحياء المالية في أم الولد خصوصا عند ( قلنا : ) نعم ليس له فيها مالية باعتبار الرقبة ، ولكن له مالية باعتبار كسبها بخلاف المكاتب ، فإنه أحق بمكاسبه ، فلا يكون راده محييا للمولى مالية باعتبار الرقبة ولا باعتبار الكسب ، فإن مات المولى قبل أن يوصلهما الراد إليه فلا جعل له ; لأنهما عتقا بموته ، وراد الحر لا يستوجب الجعل ، وكذلك إن كان على المدبر سعاية بأن لم يكن للمولى مال سواه فرده على الورثة لم يستوجب الجعل ; لأن المستسعى بمنزلة المكاتب عند أبي حنيفة أبي حنيفة وعندهما هو حر عليه دين ، ولا جعل لراد المكاتب أو الحر ، فأما إذا وصلهما إلى المولى فقد تقرر حقه في الجعل ، فلا يسقط بموت المولى وعتقهما بعد ذلك ، وإن كان الآبق بين رجلين أثلاثا فالجعل بينهما على قدر أنصبائهما ، وجوبه باعتبار إحياء ماليتهما ، والمالية لصاحب الكثير أكثر منها لصاحب القليل ، وراد الصغير إذا كان آبقا يستوجب الجعل كراد الكبير ، غير أنه إن جاء به من مسيرة سفر فله أربعون درهما ، وإن جاء به مما دون ذلك يرضخ له على قدر عنائه ، وعناؤه في رد الكبير أكثر منه في رد الصغير ، فالرضخ يكون بحسب ذلك .
وإذا فالجعل واجب عليه ; لأنه صار قابضا له بإعتاقه ، ألا ترى أن المشتري إذا أعتق المبيع قبل القبض يصير به قابضا ، وكذلك إن باعه مولاه من الذي أتاه به ; لأنه صار قابضا له لما نفذ تصرفه فيه بالتمليك من غيره ، ولأن سلامة الثمن له باعتبار رد هذا الراد ، فيكون بمنزلة سلامة العين له ، وإن انتهى الرجل بالعبد الآبق إلى مولاه فلما نظر إليه أعتقه فعلى الولي جعل تام لكل واحد منهما ; لأن السبب وهو إحياء المالية بالرد على المولى فقد تقرر من كل واحد منهما بكماله ، وإن كان الأول أدخله المصر ، ثم أبق منه قبل أن ينتهي به إلى مولاه فالجعل للآخر إن جاء به من مسيرة ثلاثة أيام ، ويرضخ له إن كان دون ذلك ، ولا شيء للأول ; لأن تمام السبب بإيصاله إلى المولى ، والأول ما أوصله إلى المولى فانتقص السبب في حقه بإباق العبد منه قبل تمامه بالإيصال إلى المولى فلا جعل له ، وأما الثاني فقد [ ص: 31 ] أتم السبب بإيصاله إلى المولى فيستوجب الجعل بحسب عمله ، وإن أخذه الأول مع الثاني ورداه من مسيرة يوم فالأول نصف الجعل تاما ، ويرضخ للثاني على قدر عنائه لأنهما تمما السبب بإيصاله إلى المولى ، إلا أن الأول قد ضم فعله الثاني إلى الفعل الأول ، وباعتبار هذا الضم يكون رادا له من مسيرة سفر فله نصف الجعل تاما ، والثاني إنما رده من مسيرة يوم فيجعل في حقه كأنهما رداه من مسيرة يوم فلهذا استحق الرضخ على قدر عنائه ، وإن رداه من مسيرة ثلاث فالجعل بينهما سواء ; لأنهما استويا في سبب الاستحقاق للجعل ، وهو الإيصال إلى المولى بعد الرد من مسيرة ثلاث فيستويان في استحقاق الجعل ، وإن كان أحد الرادين عبدا محجورا أو مأذونا فهو مثل الحر في استحقاق الجعل ; لأن هذا اكتساب للمال ، والعبد غير محجور عن اكتساب المال بطريق هو محض منفعة في حق المولى ، وإن كان العبد الآبق لمكاتب أو عبد تاجر فعليهما الجعل للراد ; لأن حقهما في كسبهما بمنزلة حق الحر فيما يرجع إلى ملك التصرف ، والراد أحيا مالية العبد بالرد لهما فيستوجب الجعل عليهما ، وكذلك إن كان الآبق لصبي فالجعل في ماله يؤدي عنه أبوه أو وصيه ; لأن منفعة إحياء المالية حصلت له . سلمه الراد إلى مولاه فأبق منه ، ثم جاء به رجل آخر من مسيرة ثلاثة أيام
فالمولى مخير بين الدفع والفداء إذا كان قبل إباقه ، فإن اختار الفداء فالجعل على مولاه ; لأنه طهره عن الجناية باختياره ، وتبين أن الراد عمل له في إحياء ماليته ، وإن اختار دفعه إلى أصحاب الجناية فالجعل على أصحاب الجناية ; لأنه تبين أن الراد أحيا حقهم ، فإن نفس العبد استحق لهم بالجناية إلا أن يختار المولى الفداء ; ولهذا لو هلك العبد قبل أن يختار المولى شيئا بطل حقهم فتبين باختيار الدفع أن الراد أحيا حقهم فيستوجب الجعل عليهم ، وله أن يحبسه عنهم حتى يستوفى الجعل كما كان له أن يحبسه عن المولى . ( عبد ) جنى جناية ثم أبق فجاء به رجل
فلا جعل له ; لأنه إنما رده لنفسه ، فإن المشتري قد يكون قاصدا إلى تملك المشترى فيكون هو غاصبا في حق المولى لا عاملا له ، وكذلك إن وهبه أو أوصى له أو ورثه ، فإن أشهد حين اشتراه أنه إنما يشتريه ليرده على صاحبه ; لأنه لا يقدر عليه إلا بالشراء فله الجعل له ; لأنه بهذا الإشهاد أظهر أنه يعمل للمولى في الرد ، ولكنه الطريق الذي يمكنه فيستوجب ، ولا يرجع على المولى بما أدى من الثمن قل ذلك أو كثر ; لأنه متبرع في ذلك كما كان متبرعا فيما ينفق عليه بغير أمر القاضي ، وكذلك إن كان أبق إلى دار الحرب ففي حق الراد هو والمأخوذ في دار الإسلام سواء ، وإن [ ص: 32 ] ( عبد ) أبق إلى بعض البلدان فأخذه رجل فاشتراه منه رجل وجاء به قال : له الجعل في تركته ; لأن وارثه أو وصيه يخلفه بعد موته فالرد عليه كالرد على المولى في حياته ، وإذا استوجب الجعل عليه كان ذلك دينا في تركته كسائر الديون ، فإن كان عليه دين يحيط بماله فالراد أحق بإمساك العبد حتى يعطى الجعل ، فإن لم يكن له مال غيره بيع العبد ، ويبدأ بالجعل له من ثمنه ، ثم يقسم الباقي بين الغرماء لأن حق الغرماء في ماليته إنما ثبت من جهة الميت ، وقد كان الراد أحق به من الميت ما لم يستوف الجعل ، فكذا يكون هو أحق به من غرماء الميت أيضا ، فإن كان الذي جاء به وارث الميت وقد أخذه ، وسار به ثلاثة أيام في حياته وأوصله إلى المصر فمات المولى قبل أن يرده عليه ، وليس الوارث الراد في عياله فله الجعل في قول أخذ الآبق رجل فجاء به ليرده على مولاه فوجده قد مات أبي حنيفة ، وقال ومحمد رحمه الله تعالى لا جعل له ; لأن استحقاق الجعل إنما يكون بالإيصال إلى المالك ، وكذا لو أبق قبل أن يوصله إلى المالك ، فلا جعل له ، والإيصال هنا لم يوجد قبل الموت ، وبعد الموت لم يصلح سببا لوجوب الجعل له ; لأنه شريك فيه ، ومن عمل في شيء هو فيه شريك لا يستوجب الأجر بالعقد ، وإن شرط ذلك في العقد فهنا أولى أن لا يستوجب . أبو يوسف
وجه قولهما أن الراد إنما يستحق الجعل بعمله في الرد ، وقد تم ذلك في حياة المورث قبل أن تثبت له الشركة فيه ، إلا أن إيصاله إلى المولى شرط ، وعند وجوده يستحق الأجر بعمله لا بما هو شرط ، والشرط يتحقق مع الشركة في المحل ، وإنما الذي لا يتحقق تسليم العمل إلى غيره فيما هو شريك فيه ، وقد صار العمل هنا مسلما إلى المولى باتصاله بملكه ، وقد وجد الشرط بالرد على ورثته فيستوجب الجعل . يوضحه أنه بإحياء المالية يستوجب الجعل ، وقد تحقق هذا حتى لو كان على الميت دين أو أوصى بوصية ينفذ من ذلك ، فيكون هذا بمنزلة ما لو رده عليه في حياته ، ولم يأخذ الجعل منه حتى مات ، وإذا ففي قول جاء بالآبق من مسيرة ثلاثة أيام وهو لا يساوي أربعين درهما الأول له الجعل أقل من قيمته بدرهم ، وهو قول أبي يوسف ، وفي قول محمد الآخر رحمهما الله له الجعل تاما . أبي يوسف
وجه قوله الأول أن وجوب الجعل باعتبار إحياء المالية للمولى ، فلا بد من اعتبار مقدار المالية التي حييت له ، ثم الراد مأذون من جهة المولى في إيصال المنفعة إليه لا في إلحاق الضرر به وإيجاب المال لنفسه عليه ، فإذا كان قيمة العبد درهما كان في إيجاب الأربعين على المولى ضرر بين ، فينبغي أن يوجب له من الجعل بقدر ما يظهر فيه منفعة عمله للمولى ، وذلك أن ينقص من قيمته درهم ; لأن ما دون الدرهم [ ص: 33 ] من الكسور لا يجوز اعتباره شرعا . وجه قوله الآخر أن وجوب الجعل للراد عرف شرعا باتفاق الصحابة ، وقد قدروه بأربعين درهما من غير أن يعرضوا لقيمة العبد ، وما ثبت من التقدير شرعا يجب اعتباره ، وكان عمل الراد هنا في إيجاب جعل مقدر له بمنزلة عقد باشره مع المولى . فكما يستحق هناك جميع المسمى ، ولا ينظر إلى قيمة العبد فكذلك هنا يوضحه أن مالية رقبته ، وإن كانت دون الأربعين فمالية كسبه الذي يحصل للمولى قد تزيد عليه ، وقد بينا أن ذلك يعتبر لإيجاب الجعل ابتداء فلأن يعتبر لتكميل الجعل كان أولى ، وإذا كان على العبد دين فجعله على مولاه إذا أراد ذلك بأن يقضى ما على العبد من الدين ، وإن أبى بيع العبد واستوفى صاحب الجعل جعله ، وكان ما بقي من الثمن لأصحاب الديون ، وهذا وما تقدم - مما إذا كان على العبد دين جناية - سواء ; لأن المستحق هناك الدفع بالجناية ، وهنا البيع في الدين .