قال : ( وإذا فقد خرج عن حكم المعلم ) ; لأن علامة المعلم فيه ترك الأكل ، وفي البازي الإجابة إذا دعاه ، فكما أن البازي إذا فر منه وامتنع من إجابته لا يكون معلما فكذلك الكلب إذا أكل من الصيد لا يكون معلما ، ويحرم ما عنده من صيوده قبل ذلك في قول أكل الكلب من الصيد رحمه الله ، ولا يحرم في قول أبي حنيفة ومحمد رحمهما الله من أصحابنا رحمهم الله من يقول : هذا إذا كان العهد قريبا بأخذ تلك الصيود ، فأما إذا تطاول عليه العهد بأن أتى عليه شهر أو نحو ذلك ، وقد قدر صاحبه صيوده لم تحرم تلك الصيود ; لأن في المدة الطويلة يتحقق النسيان ، فلا يكون ذلك دليلا على كونه غير معلم في ذلك الوقت ، وفي المدة القصيرة لا يتوهم نسيان الحرفة فتبين أنه كان عن غير علم حين اصطاد تلك الصيود ، وإنما لم يأكل منها للشبع لا للإمساك على صاحبه ، والأظهر أن الخلاف في الفصلين جميعا فهما يقولان قد حكمنا بالحل في الصيود المأخوذة ، وأكله من هذا الصيد محتمل قد يكون لفرط الجوع مع كونه معلما ، وقد يكون لإمساكه على نفسه وكونه غير معلم ، وما كان محكوما به لا يجوز إبطاله بالشك ، ولا معنى لقول من يقول : قد حكمنا بكونه جاهلا حتى قلنا : لا يؤكل هذا الصيد الذي أكل منه ، ولا ما يأخذه بعده ما لم يصر معلما إلا أنا إنما حكمنا بذلك لنوع اجتهاد مع بقاء الاحتمال ، والاجتهاد دليل يصلح للعمل به في المستقبل ، وليس بدليل لنوع اجتهاد مع بقاء الاحتمال ، والاجتهاد يصلح العمل به في المستقبل لا في بعض ما مضى بالاجتهاد ، والحل في الصيود المحرزة حكم أمضى بالاجتهاد أبي يوسف رحمه الله يقول : تبين أن ذلك صيد كلب جاهل ، فلا يؤكل منه كالصيد الذي أكل منه . وأبو حنيفة
وبيان ذلك أن هذه الحرفة في الكلب إذا حصلت كانت ضرورية ، فلا ينسى أصلها ، ولكنها تضعف بالترك زمانا كالخياطة والرمي ونحوهما في الآدمي ، ولما وجب الحكم بكونه جاهلا في الحال تبين ضرورة أنه لم يكن معلما وأنه إنما ترك الأكل للشبع حتى لم يترك حين كان جائعا ، وهذا لأن الأكل وإن كان محتملا ، ولكن تعين فيه أحد الوجهين بدليل شرعي ، وهو كونه غير معلم حين حرم تناول هذا [ ص: 244 ] الصيد فسقط اعتبار احتمال وجه آخر ، وما قال رحمه الله أقرب إلى الاحتياط وعليه يبنى الحل والحرمة قال : ( ولا يحل صيده بعد ذلك حتى يصير معلما ) بأن يصيد به ثلاثا ، فلا يأكل منها فيحل حينئذ الرابع في قول أبو حنيفة أبي يوسف رحمهما الله ، ولكن ومحمد رحمه الله لم يؤقت فيه وقتا ، ولكن يقول : إذا صار عالما فكل من صيده ، وكذلك الخلاف في تعليمه في ابتداء أمره ، وعلى أبو حنيفة قولهما إنما يحصل بأن يجيبه إذا دعي ويرسله على الصيد فيصيده ، ولا يأكل منه ثلاث مرات ، ولم يؤقت فيه رحمه الله وقتا ، ولكنه قال : هو موكول إلى اجتهاد صاحبه ، فإن كان أكبر رأيه أنه صار معلما فهو معلم ، وربما قال : يرجع إلى أهل العلم به من الصيادين ، فإذا قالوا صار معلما فهو معلم ، وحجتنا في ذلك أن المعلم يمسك الصيد على صاحبه ، وعلامة ذلك أن لا يأكل منه إلا أن ترك الأكل قد يكون للشبع وقد يكون للإمساك على صاحبه ، فإذا ترك ذلك مرارا على الولاء يزول به هذا الاحتمال ، ونعلم أنه معلم لإمساكه على صاحبه ، وقدرنا ذلك بالثلاث ; لأنه حسن الاختيار . أبو حنيفة
والأصل فيه قصة موسى مع معلمه عليه السلام حيث قال في الثالثة { هذا فراق بيني وبينك } وكذلك الشرع قدر مدة الاختيار بثلاثة أيام للاختيار ، وقال عليه الصلاة والسلام { } ، وقال إذا استأذن أحدكم ثلاثا ولم يؤذن له فليرجع رضي الله تعالى عنه إذا لم يربح أحدكم في التجارة ثلاث مرات فليرجع إلى غيرها عمر رحمه الله تعالى يقول : نصب المقادير بالرأي لا يكون ، ولا مدخل للقياس فيه فيكون طريق معرفته الاجتهاد والرجوع إلى من له علم في ذلك الباب قال الله تعالى : { وأبو حنيفة فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } وهذا لأن احتمال الشبع كما يكون في المرة يكون في المرات ، ( وروى ) الحسن عن رحمهما الله مثل أبي حنيفة قولهما في التقدير بالثلاث إلا أن في تلك الرواية يقول : يؤكل الصيد الثالث ، أبو حنيفة وهما يقولان لا يؤكل الصيد الثالث ; لأنه إنما حكم بكونه معلما حين ترك الأكل من الثلاث ، وآخره لهذا الصيد كان قبل ذلك ، فلا يؤكل منه رحمه الله تعالى يقول : إنما يحكم بكونه معلما بطريق تعيين إمساكه الثالث على صاحبه ، وإذا حكمنا بأن يمسكه على صاحبه ، وقد أخذه بعد إرسال صاحبه حل التناول منه كالرابع . وأبو حنيفة