والمراد : حق الرجوع بعد التسليم ; لأنها لا تكون هبة حقيقية قبل التسليم ، وإضافتها إلى الواهب على معنى أنها كانت له كالرجل يقول : أكلنا خبز فلان الخباز ، وإن كان قد اشتراه منه ; ولأنه مد هذا الحق إلى وصول العوض إليه ، وذلك في حق الرجوع بعد التسليم ، وفي قوله تعالى : { فحيوا بأحسن منها أو ردوها } ما يدل على ذلك ، وقد بينا أن المراد بالتحية : العطية ، قال القائل :
تحيتهم بيض الولائد بينهم
يريد عطاياهم . وفي حديث رضي الله عنه عن النبي : عليه الصلاة والسلام { أبي هريرة } . وفي رواية : حسن فعله فإن أبى يرد عليه ، والمراد : حسن فعله في الهبة ، وقبح فعله في الرجوع ( وعن ) من وهب هبة ، ثم أراد أن يرجع فيها فليوقف وليعرف قبح فعله فضالة بن عبيد أن رجلين اختصما إليه فقال أحدهما : إني وهبت لهذا بازيا ; ليثيبني ولم يثبني ، فأنا أرجع فيه . فقال فضالة : لا يرجع في الهبة إلا النساء والشرار من الناس ; اردد ( وعن ) رضي الله عنه قال : الواهبون ثلاثة : رجل وهب على وجه الصدقة ، فليس له أن يرجع فيها ، ورجل استوهب فوهب ، فله أن يرجع فيها - ما لم يعوض - ورجل وهب بشرط العوض فهي دين له في حياته ، وبعد موته ، والمعنى فيه : أنه يمكن الخلل في المقصود بالعقد ، فيتمكن العاقد من الفسخ كالمشتري إذا وجد بالمبيع عيبا . وبيان ذلك : أن المقصود من الهبة للأجانب العوض والمكافأة ، والمرجع [ ص: 54 ] في ذلك إلى العرف . والعادة الظاهرة أن الإنسان يهدي إلى من فوقه ; ليصونه بجاهه ، وإلى من دونه ; ليخدمه ، وإلى من يساويه ; ليعوضه ، وإليه أشار رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في قوله لوفد أبي الدرداء ثقيف لما أتوه بشيء أصدقة أم هبة ؟ .فالصدقة يبتغى بها وجه الله - تعالى - والهبة يبتغى فيها وجه الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، وقضاء الحاجة . ومنه يقال : للأيادي قروض ، وقال القائل
: وإذا جوزيت قرضا فاجزه إنما يجزي الفتى ليس الحمل
والشراء لا يكون رجوعا في الصدقة حكما ، والمراد : لا يحل الرجوع بطريق الديانة والمروءة ، وهو كقوله : عليه الصلاة والسلام { } لا يليق ذلك بالديانة والمروءة ، وإن كان جائزا في الحكم إذا لم يكن عليه حق واجب ، والمراد بالحديث الآخر : التنبيه في معنى الاستقباح ، والاستقذار ; ألا ترى أنه : شبه بعود الكلب في قيئه ، وفعل الكلب يوصف بالقبح لا بالحرمة ، وبه نقول ، وأنه يستقبح ، وقد بينا الفرق بين هذا ، وبين الأخوين ، والزوجين لحصول ما هو المقصود هناك ، وتمكن الخلل فيما هو المقصود هنا ; ولهذا يحتاج إلى القضاء ، أو الرضا في الرجوع ; لأنه بمنزلة الرد بالعيب بعد القبض من حيث إن السبب تمكن الخلل في المقصود ، فلا يتم إلا بقضاء ، أو رضا ، والله - سبحانه وتعالى - أعلم . لا يحل لرجل يؤمن بالله ، واليوم الآخر أن يبيت شبعان ، وجاره إلى جنبه طاو . أي :