( والفصل الثاني ) : إذا فليس له أن يرجع [ ص: 55 ] فيه - عندنا - وقال وهب الوالد لولده له ذلك - لما روينا من قوله صلى الله عليه وسلم { الشافعي } ، والاستثناء من النفي إثبات ، ومن التحريم إباحة ، وفي حديث إلا الوالد فيما يهب لولده نعمان بن بشير رضي الله عنه قال { } فقد أمره رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالرجوع فيه ، وأقل أحوال الأمر أن يفيد الإباحة ; ولأنه جاد بكسبه على كسبه فيتمكن من الرجوع فيه كما لو وهب لعبده ، ومعنى هذا أن الولد كسبه ، قيل : في معنى قوله تعالى : { نحلني أبي غلاما ، وأنا ابن سبع سنين فأبت أمي إلا أن يشهد على ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فحملني أبي على عاتقه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأخبره بذلك فقال : ألك ولد سواه فقال : نعم فقال : عليه الصلاة والسلام أوكل ولدك نحلته مثل هذا فقال : لا ، فقال : عليه الصلاة والسلام هذا جور ، وإنا لا نشهد على جور ; اردد . ما أغنى عنه ماله وما كسب } : وما ولد وقال عليه الصلاة والسلام { } . وتأثيره كما بينا أنه لا يتميز عن ملكه إذا كان الموهوب له كسبا له ، كالموهوب به ، وإذا كان الموهوب له جزءا منه ، فلا يشكل أنه لا يتم خروجه عن ملكه ، ولا يبعد أن يختص الوالد بما لا يشاركه الولد فيه كالتملك بالاستيلاد ، فإنه يثبت للأب في جارية ابنه ، ولا يثبت للابن في جارية أبيه ، وحجتنا : ما روينا من حديث : وإن ولده من كسبه رضي الله عنه ; فهو الإمام لنا في المسألتين ، ولأن الهبة قد تمت لذي الرحم المحرم ملكا وعقدا ، فلا يملك الرجوع فيه ، كالابن إذا وهب لأبيه أو الأخ لأخيه ; وهذا لأن المقصود قد حصل وهو صلة الرحم ، ولأن في الرجوع معنى قطيعة الرحم ، وهذا موجود في حق الوالد مع ولده ; لأنه بالرجوع يحمله على العقوق عمر
وإنما أمر الوالد أن يحمل ولده على بره ، ولا يقال : مقصود الوالد أن يخدمه الولد ، ولما رجع فالظاهر أنه لم ينل ذلك ; لأن شفقة الأبوة تمنعه من الرجوع بعد حصول المقصود ; وهذا لأن هذا المعنى خفي لا ينبني الحكم عليه ، وهو موجود في الولد إذا وهب لوالده ، فالظاهر أنه قصد أن يخصه بإكرام ، وإنما يرجع ; لأنه لم ينل ذلك ، ولا معتبر بما ذكر من الكسب ، فإنه لو وهب لمكاتبه ، أو لمعتقه : لا يرجع فيه ، وهو كسبه أيضا ; وهذا لأن الولد كسبه - لا ملكه - بخلاف عبده ، فأما الحديث فقد قيل : معنى قوله عليه الصلاة والسلام إلا الوالد : ولا الوالد ، فإن كلمة ( إلا ) تذكر بمعنى ( ولا ) . قال الله تعالى { : إلا الذين ظلموا منهم } أي ، ولا الذين ظلموا منهم ، وقوله تعالى { : وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنا إلا خطأ } أي : ولا خطأ . أو المراد : إلا الوالد ; فإنه ينفرد بأخذه عند حاجته - على ما قررنا - . وحديث رضي الله تعالى عنه قيل : [ ص: 56 ] قوله : وأنا ابن سبع سنين ، وقوله : فحملني أبي على عاتقه ، لم ينقل في شيء من المشاهير ، فيحتمل أنه كان بالغا ، ولم يسلمه إليه ، وعندنا : في مثله له أن يرجع ، ويحتمل أنه كان صغيرا ، ولكن كان فوض ذلك إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليهبه له إن رآه صوابا ، ومعنى قوله : عليه الصلاة والسلام اردد أي : أمسك مالك ، وارجع إلى رحلك ، وقيل : كان هذا منه بطريق الوصية بعد موته ; ألا ترى أنه اعتبر التسوية بين الأولاد ، وإنما تجب التسوية في الوصية بعد الموت فأما في الهبة في الصحة ، فلا ; ألا ترى أن النعمان بن بشير رضي الله تعالى عنه خص أبا بكر بالهبة لها في صحته - كما روينا - والدليل عليه : أن عائشة رضي الله عنه قال فرجع أبي في وصيته ، وفي هذا التأويل كلام فالمذهب أنه ينبغي للوالد أن يسوي بين الأولاد في العطية عند النعمان بن بشير رحمه الله على سبيل الإرث للذكر مثل حظ الأنثيين ، وعند محمد رحمه الله يسوى بين الذكور والإناث قال : عليه الصلاة والسلام { أبي يوسف } . ساووا بين أولادكم حتى في القبل ، ولو كنت مفضلا أحدا لفضلت الإناث
والاعتماد : على التأويل الأول . وذو الرحم الذي ليس بمحرم كالأجنبي في حق الهبة ; لأن ما بينهما من القرابة لا يفترض وصلها ; ولهذا لا يتعلق بها استحقاق العتق وحرمة النكاح ، وكذلك المحرم الذي ليس برحم ; لأنه لا تأثير للرضاع والمصاهرة في استحقاق الصلة ; فكانت الهبة بينهما لمقصود العوض فإذا لم ينل كان له أن يرجع فيها إن كانت قائمة لم يزدد خيرا