قال : ولو جاز العقد عندنا استحسانا ، وكذلك هذا في ثلاثة أثواب وفيما زاد على الثلاثة العقد فاسد وقال اشترى ثوبين كل واحد منهما بعشرة دراهم على أنه بالخيار ثلاثة أيام يمسك أيهما شاء ويرد الآخر رحمه الله : ما زاد على الثلاث وما دون الثلاث فيه سواء فالعقد فاسد وهو القياس في الثلاثة والاثنين ; لأن المبيع مجهول فإن المبيع أحد الثياب وهي متفاوتة في نفسها وجهالة المبيع فيما يتفاوت يمنع صحة العقد ألا ترى أنه لو لم يسم لكل ثوب ثمنا كان العقد فاسدا لجهالة المبيع ، وكذلك لو لم يشترط الخيار لنفسه كان العقد فاسدا فكذلك إذا اشترط الخيار ; لأن شرط الخيار يزيد في معنى الغرور ولا يزيله ، وجه الاستحسان أن هذه الجهالة لا تفضي إلى المنازعة ; لأنه شرط الخيار لنفسه وبحكم خياره يستند بالتعين ، والجهالة التي لا تفضي إلى المنازعة لا تمنع صحة العقد كما إذا اشترى قفيزا من الصبرة بخلاف ما إذا لم يشترط الخيار لنفسه فالجهالة هناك تفضي إلى المنازعة وبخلاف ما إذا لم يسم لكل ثوب ثمنا ; لأن هناك ثمن ما يتناوله العقد مجهول فإنما فسد العقد لجهالة الثمن ثم الجهالة التي تتمكن بسبب عدم تعيين الثمن معتبر بالقدر الذي يتمكن بسبب شرط الخيار ، وذلك يتحمل في الثلث وما دونه ولا يتحمل في الزيادة على ذلك فكذا هذا اعتبارا للمحل بالزمان ، وهذا لأن احتمال هذه الجهالة لأجل الحاجة فقد يشتري الإنسان لعياله ثوبا ولا يعجبه أن يحمل عياله إلى السوق ولا يرضى البائع بالتسليم إليه ليحمله إلى عياله بغير عقد فيحتاج إلى مباشرة العقد بهذه الصفة وهذه الحاجة مقصورة على الثلاث ; لأنه نوع يشتمل على أوصاف ثلاثة : جيد ووسط ورديء فإذا حمل الثلاثة إلى أهله تم المقصود فأخذنا فيما زاد على ذلك بالقياس لعدم الحاجة فيه كما فعلنا ذلك في شرط الخيار ، ثم نص في هذا الموضع على تقدير الخيار بثلاثة أيام وهو الصحيح ; لأن هذا خيار ثبت بالشرط فلا بد فيه من إعلام المدة ، وإن أطلق ذلك في غير هذا الموضع من الكتب قال فإن هلك أحدهما أو دخله عيب لزمه ثلثه ويرد الباقي وهو فيه أمين ; لأنه عجز عن رد الهالك منهما بحكم الخيار فيتعين البيع فيه وهذا ; لأنه حين أشرف على الهلاك فقد ثبت في يده وعجز عن رده كما قبضه فيلزمه البيع فيه . زفر
ثم يكون هالكا على ملكه فإذا تعين البيع في الهالك كان هو أمينا في الآخر ; لأنه قبضهما بإذن البائع على أن يكون المبيع أحدهما دون الآخر فكان أحدهما بغير عينه مبيعا والآخر [ ص: 56 ] أمانة ; لأنه ما قبض الآخر للشراء فإذا تعين البيع في أحدهما تعين البيع في الهالك كان أمينا في الآخر ; لأنه قبضهما بإذن البائع على أن يكون تعين الآخر للأمانة وفرق بين هذا وبين ما إذا تتعين الباقية للطلاق دون الهالكة وهنا تتعين الهالكة للبيع قال على القمي لا فرق بين المسألتين في الحاصل ; لأن في الفصلين ما يهلك على ملكه أما الثوب فلأنه يهلك على ملكه حيث يتعين الباقي للرد وفي الطلاق كذلك يهلك ، الهالكة على ملكه حتى تتعين الباقية للطلاق إلا أن الصحيح ما ذكرنا ، ووجه الفرق أن الثوب لما أشرف على الهلاك خرج من أن يكون محلا للرد ; لأنه عجز عن رد ما اشترى كما اشترى فيتعين العقد فيه وتعين الباقي للرد ضرورة ، فأما في الطلاق والعتاق حين أشرفت على الهلاك لم يتعين محلا لوقوع الطلاق عليها فلو وقع الطلاق عليها إنما يقع بعد الموت والطلاق لا يقع بعد الموت فتتعين الباقية للطلاق . طلق إحدى امرأتيه أو أعتق أحد عبديه ثم مات أحدهما
وهذا بخلاف ما إذا اشترى كل واحد منهما بعشرة على أنه بالخيار ثلاثة أيام فهلك إحداهما فإنه لا يرد الباقي ; لأن العقد يتناولهما جميعا ألا ترى أنه يملك العقد فيهما فبعدما تعذر عليه رد أحدهما لا يتمكن من رد الآخر لما فيه من تفريق الصفقة على البائع قبل التمام ، وهنا العقد يتناول أحدهما ألا ترى أنه لا يملك إتمام العقد فيهما فبعدما هلك أحدهما وتعيب كان له رد الباقي . قال : وإن هلكا معا فعليه نصف ثمن كل واحد منهما إن كان الثمن متفقا أو مختلفا ; لأن أحدهما بغير عينه مبيع لزمه ثمنه بالهلاك في يده والآخر أمانة ، وليس أحدهما لتعينه مبيعا بأولى من الآخر ; لأن حالهما قبل الهلاك سواء فبعد الهلاك لا يتحقق تعيين البيع في أحدهما فللمعارضة قلنا فيتبع حكم الأمانة وحكم البيع فيهما فيكون هو أمينا في نصف كل واحد منهما مشتريا نصف كل واحد منهما ولأن كل واحد من الثمنين يلزمه من وجه دون وجه فلهذا يلزمه نصف ثمن كل واحد منهما قال وإن كان قائمين بأعيانهما ، وأراد ردهما فله ذلك ; لأنه أمين في أحدهما فرده بحكم الأمانة وفي الآخر مشتر قد شرط الخيار لنفسه فيتمكن من رده ، فإن اختار أحدهما لزمه ثمنه ; لأنه عين البيع فيه والتزمه باختياره فيلزمه ثمنه ، وكان في الآخر أمينا ، فإن ضاع عنده بعد ذلك لم يكن عليه فيه ضمان لما ذكرنا