وإذا وجد التعيين بالقبض في المجلس يجعل ذلك كالموجود عند العقد ، وليس أحد البدلين في ذلك بأولى من الآخر فشرطنا القبض فيهما لهذا المعنى ، ولسنا نعني بالمجلس موضع جلوسهما بل حتى لو قاما أو مشيا فرسخا ، ثم تقابضا قبل أن يتفرقا أي يفارق أحدهما صاحبه حال العقد ، وكذلك لو ناما في المجلس ، أو أغمي عليهما ، ثم تقابضا قبل الافتراق . روى ذلك المعتبر وجود القبض قبل أن يتفرقا بشر عن ، ولهذا لا يجوز أبي يوسف ; لأن الخيار بعدم الملك فيكون أكثر تأثيرا من عدم القبض قبل الافتراق . وبشرط الخيار يمتنع استحقاق ما به يحصل التعيين ، وهو القبض ما بقي الخيار ، وكذلك شرط الأجل ينعدم استحقاق القبض الذي يثبت به التعيين فلهذا كان مبطلا لهذا العقد ، وقد دل ما قلنا على الأخبار التي بدئ الكتاب بها ، فمنها حديث شرط الخيار في هذا العقد رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { أبي سعيد الخدري الفضة بالفضة ، وزن بوزن يد بيد ، والفضل ربا } إلى [ ص: 4 ] آخره ، وقد بدأ بهذا الحديث كتاب البيوع ، وبينا تمام شرحه في كتاب البيوع ، ومن ذلك حديث رضي الله عنه قال : أتي أنس بن مالك رضي الله عنه بإناء خسرواني قد أحكمت صنعته فبعثني به لأبيعه فأعطيت به وزنه وزيادة ، فذكرت ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال : أما الزيادة ، فلا . وهذا الإناء كان من ذهب أو فضة لعمر
وفيه دليل على أنه لا قيمة للصنعة في الذهب والفضة عند المقابلة بجنسها ; لأنه لا يجوز الاعتياض عنها ، وما كان مالا متقوما شرعا فالاعتياض عنه جائز فعرفنا أنه إنما لم يجوز ; لأنه لا قيمة للصنعة في هذه الحالة شرعا كما لا قيمة للصنعة في المعازف ، والملاهي شرعا ، وفيه دليل أن ، وإن اعتاد الناس بيعها بغير وزن بخلاف سائر الموزونات ; لأن صنعة الوزن فيها ثابتة بالنص ، فلا تتغير بالعرف بخلاف سائر الأشياء ، وإلى ذلك أشار الذهب ، والفضة بالصنعة لا تخرج من أن تكون وزنية حين سئل عن ابن سيرين فقال قد كانوا يبيعون الدرع بالأدرع يعني أن ما لا يعتاد الناس وزنه من هذا الجنس لا يكون موزونا ، ثم ذلك الإناء كان لبيت المال ، وإنما قصد بيع إناء من حديد بإناءين رضي الله عنه ببيعه أن يصرف الثمن إلى حاجة المسلمين ، ثم وكل به عمر رضي الله عنه ، وفيه دليل على جواز أنس بن مالك . التوكيل بالصرف