فكذلك يثبت له لتوجه الأمر بالقضاء عليه شرعا وأمر القبلة على هذا فإنه لما توجه عليه الأمر بالصلاة إلى جهة القبلة وأتى بما في وسعه في طلب القبلة يثبت له ولاية نسب القبلة حتى الجهة التي أدى إليها اجتهاده تنتصب قبلة في حقه فتجوز صلاته إليها ، وإن تبين له الخطأ بعد ذلك وبهذا يتبين فساد ما قالوا أن المدعي عالم بما لو علمه القاضي امتنع من القضاء ففي اللعان الكاذب منهما عالم بما لو علمه القاضي امتنع من التفريق ومع ذلك نفذ القضاء في حقه لتوجه الأمر على القاضي وتوجه الأمر بالانقياد واتباع أمر القاضي في حق الناس ، وهذا بخلاف ما إذا ظهر أن الشهود عبيد ، أو كفار أو محدودون في قذف فإن هذه أسباب يمكن الوقوف عليها عند الاستقصاء ، ولكن ربما يلحقه الحرج في ذلك فللحرج تعذر بترك الاستقصاء ، ولكن لم يسقط الخطاب بإصابتها حقيقة فلا يتوجه الأمر بالقضاء بدونها حقيقة . فأما حقيقة الصدق فلا طريق إلى الوقوف عليه والأمر بالقضاء يتوجه بدونه وهو بمنزلة ما لو ولاية الإنشاء مع كذب الشهود فإنه يلزمه الإعادة لهذا المعنى ، أو هو بمنزلة ما لو قضى باجتهاده ، ثم ظهر نص بخلافه . توضأ بماء ، أو صلى في ثوب لم يتبين أنه كان نجسا
فأما الأملاك المرسلة فليس للقاضي هناك ولاية الإنشاء ; لأن تمليك المال من الغير بغير سبب ليس فيه ولاية القاضي ولا لصاحب المال أيضا ، وفي أسباب تمليك المال كثرة فلا يمكن تعيين شيء منها فعرفنا أنه ليس له في ذلك الموضع إلا ولاية إظهار الملك . فإذا لم يكن هناك ملك سابق فلا تصور لإظهاره بالقضاء والتكليف بحسب الوسع فبهذا تبين أنه لم يكن مأمورا بالقضاء باطنا . فأما هنا له ولاية الإنشاء وطريقه متعين من الوجه الذي قلنا فباعتباره يصير مأمورا بالقضاء بالنكاح بينهما حقيقة يوضحه أن هناك القاضي لا يقول للمدعي ملكتك هذا المال ، وإنما يقصر يد المدعى عليه عن المال ويأمره بالتسليم إليه ليأخذه على أنه ملكه كما يدعيه وقضاؤه بهذا نافذ .
فأما هنا نقول قضيت [ ص: 184 ] بالنكاح بينكما وجعلتها زوجة لك فينبغي أن يثبت النكاح بينهما بقضائه إذا عرفنا هذا فنقول إذا فعلى قول ادعت المرأة أن زوجها طلقها ثلاثا وأقامت على ذلك شاهدي زور فقضى القاضي بالفرقة بينهما فتزوجها أحد الشاهدين بعد انقضاء العدة رحمه الله يحل للثاني أن يطأها ولا يحل للأول ذلك ; لأن الفرقة وقعت بينهما وبين الأول حقيقة وصح النكاح بينهما وبين الثاني بعد انقضاء المدة وعلى قول أبي حنيفة رحمه الله ليس للأول أن يطأها لقضاء القاضي بالفرقة بينهما وكيف يطؤها ، ولو فعل ذلك كان زانيا عند القاضي ، وعند الناس فلا يجوز للمرء أن يعرض نفسه لهذه التهمة ولا يحل للثاني أن يطأها ; لأنه يعلم أنها منكوحة الغير ، وأنه كان كاذبا فيما يشهد به من الطلاق ، وذلك كان كبيرة منه فلا يحل له ما كان حراما عليه . أبي يوسف
وقال رحمه الله ليس للثاني أن يطأها لهذا ويحل للأول أن يطأها ما لم يدخل بها الثاني . فإذا دخل بها الثاني لا يحل للأول أن يطأها بعد ذلك لوجوب العدة عليها من الثاني بالوطء بالشبهة والمنكوحة إذا وجبت عليها العدة من غير الزوج حرم على الزوج وطؤها . وقال محمد رحمه الله لا يجب عليها العدة من الثاني ; لأنهما زانيان في هذا الوطء يعلمان حقيقة الأمر فهو يقول يطؤها الأول سرا بنكاح باطن له والثاني علانية بنكاح ظاهر له ، وهذا قبيح فإنه يؤدي إلى اجتماع رجلين على امرأة واحدة في طهر واحد ، وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك إلا أنهم يقولون معنى الصيانة عن هذا القبح يحصل بالنهي ونحن ننهى كل واحد عن مثل هذا التلبيس وهو نظير ما يقولون فيما إذا كان الشافعي فإنها في الباطن مملوكة للأول يطؤها سرا ، وفي الظاهر مملوكة للثاني يطؤها علانية ، وهذا القبح يتقرر فيه ، ولكن معنى الصيانة عن هذا القبح يحصل بالنهي ، ثم التمكن من هذا الظاهر يلتبس والناس أطوار وقليل منهم الشكور ، وما ذهب إليه ادعى جارية في يد رجل أنها له وقضى القاضي له بشهادة شاهدي زور فيه نوع ضرر أيضا فإن المرأة تبقى معلقة لا ذات بعل ولا مطلقة إذ هي لا تحل للأول ولا للثاني ، وليس لها أن تتزوج بزوج آخر ولدفع هذا الضرر أمر الشرع بالتفريق بين العنين وامرأته فعرفنا أن الوجه بطريق الفقه ما ذهب إليه أبو يوسف رحمه الله واتبع فيه أبو حنيفة رضي الله عنه ، وإن قضاء القاضي ينفذ ، وأنها تحل بالنكاح للثاني . عليا