وإذا بالكوفة فبأي أسواق دفع إليه جراب هروي ; يبيعه وهو الكوفة باعه جاز ، وإن خرج إلى البصرة فباعه هناك - ضمنه استحسانا ، ولم يجز بيعه على الآمر ، وفي القياس يجوز ; لأنه أمره بالبيع مطلقا ، فلا يتقيد بمكان غير تقييد في كلامه ، وأكثر ما فيه أن مقصوده البيع بالكوفة ، والتقييد [ ص: 55 ] بالمقصود لا يحصل ، خصوصا عند - رحمه الله - ولكنه استحسن فقال : لو لم تتقيد الوكالة أبي حنيفة بالكوفة ; كانت مؤنة النقل إلى موضع آخر على الموكل ; لأن الوكيل في النقل ممتثل أمره ، فيرجع عليه بما يلحقه من المؤنة ، فربما تبلغ المؤنة قيمة المتاع أو تزيد ، فيكون في ذلك تفويت مقصود الموكل ، وهذا دليل صالح لتقييد مطلق الوكالة ، فإذا تقيدت بالمصر كان هو بالإخراج مخالفا - فلا ينفذ بيعه ويكون ضامنا ، ولم يذكر في الكتاب ما إذا لم يخرج المتاع مع نفسه ، ولكن باعه بالبصرة ، ومشايخنا - رحمهم الله - يقولون : بيعه يجوز هنا ; لأن التسليم في بيع العين إنما يجب في موضع المبيع ، فلا يلحقه مؤنة النقل ، والأصلح أنه لا يجوز ; لأن التقييد ثبت بالدلالة كما ذكرنا ، فكان كالثابت بالنص ، والوكالة تقبل التقييد بالمكان والزمان ، ولو قال : بعه بالكوفة ففي أي أسواق الكوفة باعه جاز ; لأن مقصوده بهذا التقييد سعر الكوفة ، وفي أي أسواق الكوفة باع ، فإنه إنما باع بسعر الكوفة ، وإن حمله إلى مصر آخر فباعه - لم يجز بيعه ، فكان ضامنا له قياسا واستحسانا لتقييد الأمر بالكوفة نصا .