( قال رحمه الله ) لأنه بالمطل صار ظالما ، والظالم يحبس وأنه عقوبة مشروعة ; ولهذا كان حدا في الزنا في ابتداء الإسلام قال الله تعالى في حق قطاع الطريق { ويحبس الرجل في كل دين ما خلا دين الولد على الأبوين أو على بعض الأجداد فإنهم لا يحبسون في دينه أما في دين غيرهم فيحبس أو ينفوا من الأرض } والمراد به : الحبس ، وكذلك { } ، وكذلك حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا بالتهمة كرم الله وجهه اتخذ سجنين سمى أحدهما نافعا والآخر مخيسا ، وكذلك علي - رحمه الله - كان يحبس الناس وحبس ابنه بسبب الكفالة عن رجل ولا يحبسه في أول ما يتقدم إلى القاضي ولكنه يقول له : قم فأرضه لأن الظلم لا يتحقق من أول وهلة فإن عاد إليه مرة أو مرتين يحبسه ، والقياس في دين الولد على والديه هكذا . إلا أنا استحسنا في دين الوالدين ومن كان في معناهم أنه لا يعاقب الوالد بسبب الجناية على ولده . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم { شريح } ولا يعاقب بسبب الجناية على ماله لأن له ضرب تأويل في ماله وذكر حديث لا يقاد الوالد لولده كرم الله وجهه أنه اتخذ سجنين وقال فيه علي
ألا تراني كيسا مكيسا بنيت بعد نافع مخيسا
وعن الشعبي - رحمه الله - أن رجلا أتى رضي الله عنه فقال : يا أمير المؤمنين أجرني فقال : مم ؟ قال : من دين . قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه السجن ، ثم قال عمر رضي الله عنه : كأنك بالطلبة خلو . ذكر هذا لبيان أن الحبس مشروع . قال عمر رحمه الله - : لا يباع مال المديون المسجون في دين عليه إلا أن يكون عليه دنانير أو يكون عليه دراهم فاصطرفها بدراهم . وعند أبو حنيفة أبي يوسف - رحمهما الله - يباع ماله . وهي مسائل الحجر ثم ذكر عن ومحمد رضي الله عنه أنه خطب الناس ثم قال في أسفع جهينة رضي من دينه وأمانته أن يقال له : سبق الحاج فادان معرضا حتى دين به . فمن كان له عليه شيء فليفد علينا فأنا بائع ماله ، قاسم ثمنه بين الغرماء ، وإياك والدين فإن أوله هم وآخره حرب . عمرونعم ما قال ; فإن الدين سبب العداوة - خصوصا في زماننا - فيؤدي إلى إهلاك النفوس ويكون سببا لهلاك المال خصوصا مداينة المفاليس . والحرب هو الهلاك ثم إذا حبس المديون ولم يدع الإعسار فظاهر أنه لا يخلى عنه . أما إذا ادعى الإعسار فإن كان ذلك في ديون وجبت بسبب المبايعات فينبغي أن لا يصدق ; لأن الظاهر يكذبه لأنه يكون واحدا باعتبار بدله ، وإن كان بأسباب مشروعة سوى المبايعات كالمهر وبدل الخلع والكفالة وبدل الصلح [ ص: 89 ] اختلف مشايخنا - رحمهم الله - فقال بعضهم : يصدق ولا يحبس ; لأنه متمسك بالأصل وهو العدم فالقول قوله .
وقال بعضهم : لا يصدق لأن التزامه المال اختيارا دليل قدرته ولو كان دينا وجب حكما باستهلاك مال ونحوه ينبغي أن يصدق ، ثم قال - رحمه الله - : إذا حبس الرجل شهرين يسأل عنه ، وإن شاء سأل عنه في أول ما يحبسه والرأي فيه إلى القاضي إن أخبر بعد أويقات أنه معسر خلى سبيله ، وإن قالوا : واجد أمر بحبسه حتى يذوق وبال أمره لأنه من الجائز أنه أخفى ماله فيشهد الناس على ظاهر حاله ; فتبطل حقوق الناس وإذا أخبروه أنه معسر ; أخرجه ولم يحل بين الطالب وبين لزومه أبو حنيفة عندنا .
وقال - رحمه الله - يمنعه من ملازمته لأنه منظر بإنظار الله تعالى ، ولو كان منظرا بإنظاره ; لا يكون له حق الملازمة هكذا كنا نقول بأنه منظر إلى زمان الوجود ووجود ما يقدره على أداء الدين موهوم في كل ساعة فيلازمه إذا وجد مالا أو اكتسب شيئا فوق حاجته الدراة ; يؤخذ منه والكفيل بالمال والذي عليه الأصل سواء ; لأن خطاب الأداء متوجه على الكفيل كما هو متوجه على الأصيل وذكر عن زفر الكلبي { ومحمد بن إسحاق أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حبس بني قريظة حتى نزلوا في حكم رضي الله عنه في دار سعد بنت الحارث حتى ضرب رقابهم } فإذا تبين أن الحبس مشروع وإذا حبس الكفيل بالدين ; فللكفيل أن يحبس المكفول عنه حتى يخلصه إذا كان بأمره ، وكذلك لو لازمه الطالب ; كان له أن يلزم الذي عليه الأصل لأنه التزم الأداء من مال المطلوب بأمره فكان الأصيل ملتزما تخليصه فله أن يلازمه وليس للكفيل أن يأخذ المال حتى يؤديه لأنه إنما يرجع عليه بحكم الإقراض وإنما يتحقق هذا المعنى عند الأداء .