والرهن من رجلين بعقدين مختلفين أو بينتين متفرقتين لا يجوز ، كما لو فقد ذكر الاستحسان فيما إذا كان الرهن في أيديهما ، ولم يذكر فيما إذا كانت العين في يد الراهن ، والأصح [ ص: 128 ] أن القياس ، والاستحسان منهما ، وقد تكلف بعض مشايخنا ( رحمهم الله ) فقالوا : هناك لا يقضي قياسا ، واستحسانا ; لأنه لو قضى لم يتمكن كل واحد منهما إلا من قبض النصف ، وقبض النصف بحكم الرهن مشاعا لا يجوز ، وهنا العين في أيديهما فيمكن أن يجعل ذلك بمنزلة رهن العين من رجلين ، ولو قال : رهنت هذه العين منكما بألف نصفه منك بخمسمائة ، ونصفه منك بخمسمائة كان لكل واحد منهما نصف حقه يباع له فإن فضل عن نصيب كل واحد منهما شيء كان الفضل بين الغرماء بالتخصيص ، وإن بقي من دين كل واحد منهما شيء ضرب كل واحد منهما بالدين فيما بقي له من الغرماء في التركة وهذا قول مات الراهن ، وعليه دين ، والرهن في أيديهما ، وكل واحد منهما يقيم البينة أنه ارتهنه أبي حنيفة ( رحمهما الله ) استحسانا وقال أبو يوسف : الرهن باطل وهو بين الغرماء بالتخصيص ومحمد أخذ بالقياس ، وسوى بين ما بعد وفاة الراهن ، وحال حياته باعتبار المعنى الذي قلنا أن القاضي لا يتمكن من القضاء لكل واحد منهما بالرهن إلا في النصف ، والشيوع لما كان يمنع صحة الرهن في حياة الراهن فكذلك بعد وفاته وهما فرقا لمعنيين أحدهما : أن المقصود بعد موت الراهن إثبات الاختصاص دون الجنس ، وكل واحد منهما أثبت لنفسه حق الاختصاص بالعين حتى يباع له في دينه ، وهذا مما يحتمل الشركة في العين ، وهو نظير ما لو ادعى رجلان نكاح امرأة بعد موتها ، وأقام كل واحد منهما البينة فيقضى لكل واحد منهما بنصف ميراث الزوج بخلاف حال الحياة . فأبو يوسف
وكذلك لو ادعى أختان نكاح رجل بعد موته ، وأقامتا البينة يقضى لكل واحدة منهما بالميراث ، وبنصف ميراث بخلاف حال الحياة ولأن الشيوع يمنع استحقاق دوام اليد ، واليد في حال حياة الراهن مستدامة للمرتهن فتمكن الشيوع يمنع القاضي من القضاء به فأما بعد موته فلا يستدام حبس الرهن ، ولكنه يباع في الدين ، والشيوع لا يمنع من ذلك فيقضى لكل واحد منهما ببيع النصف في دينه ، ولو فهو للذي في يديه ; لأن الخارج يحتاج إلى إثبات الملك لراهنه أولا ، وذو اليد قد أثبت أنه مرتهن فلا يكون خصما في إثبات الملك عليه للراهن الخارج وهو لو حضر بنفسه لا يقبل دينه ، وما لم يثبت الملك له لا يثبت الرهن من جهته ، ولأنه يحتاج إلى إثبات الدين أولا على راهنه حتى يثبت حقه فيستحق العين على ذي اليد بحكم الرهن ، وذو اليد ليس بخصم عن رهن الخارج في إثبات الدين عليه ، وكذلك إن كان وقت المرتهن الخارج أولا لهذين العينين أنه ما لم يثبت ملك راهنه ، ودينه على الراهن لما ثبت حقه ، وإن شهد شهوده بسبق التاريخ ، فإذا [ ص: 129 ] لم يستحقوا بقيت العين في يد ذي اليد ، فيكون القول قوله في بيان حقه ، وهو لذي يده وفي البيع بهذه الصورة بينة الخارج أولى ; لأن كل واحد من المشتريين خصم عن بائعه في إثبات الملك له فكأن البائعين حضرا أو أقاما البينة على الملك وأحدهما خارج ، والآخر ذو اليد ، وفي هذا بينة الخارج أولى . كان الرهن في يد أحدهما ، وأقام كل واحد منهما البينة أنه ارتهنه من رجل آخر
وكذلك لو فهو أيضا رهن للذي في يديه ، ولا يقبل من الآخر بينة إذا كان صاحبه غائبا ; لأن القضاء يكون على غائب ليس عنه خصم حاضر ، وقيل : معنى هذه قضى على راهن ذي اليد بالملك ، وهو غائب ، والمرتهن لا يكون خصما عنه في القضاء بالملك عليه ، وكل واحد من المعنيين صحيح ، يقول : فإن كان صاحبه شاهدا يعني راهن الخارج ، وصاحب الآخر غائبا لم أقض بينهما حتى يحضر راهن هذا ; لأن ذا اليد أثبت ببينته أنه مرتهن فلا يكون خصما لراهن الخارج في إثبات الملك عليه ما لم يحضر راهن ذي اليد فإذا حضر قضيت به للمدعي الذي ليس في يديه ، وجعلته رهنا له ، ولا أنظر في هذا إلى الأول ، والآخر ; لأن بعد حضورهما الدعوى دعوى الملك ، وبينة الخارج عنه تترجح على بينة ذي اليد ، وبالتاريخ في الرهن لا يثبت التاريخ بينهما في الملك فلهذا كانت بينة الخارج أولى . أقام كل واحد منهما البينة أنه متاع فلان الآخر ، وأنه ارتهنه منه بكذا ، وقبضه